في مثل هذا اليوم سيملأ هكذا نص أغلب صفحات مواقع التواصل وربما سيترأس مقدمة المقالات والتحقيقات الصحفية التي تتحدث عن هذا الحدث السنوي ولعدم صنع الملل للقارئ وتعذيبه نفسيا سأضع النص بين اشارتي تنصيص "تعيش المرأة على مر العصور الكثير من حالات القمع والاضطهاد التي حكمتها الأعراف والتقاليد والتي غالبا ما كانت تؤطر كيانها وفق الأطر الجاهلية.
وقد جاء تخصيص يوم عالمي للمرأة في اليوم الثامن من شهر مارس على أثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي عقد في باريس عام 1945، واعتبر هذا اليوم هو يوم المناداة بحقوق المرأة وحرياتها في العالم".
ولو رجعنا قليلا إلى الوراء وبحثنا في التاريخ نجد بأن أول رجل نادى بحق المرأة وشرع لها حياة كريمة وأخرجها من دائرة القمع والاضطهاد والوأد هو رسول الانسانية محمد (صل الله عليه واله وسلم).
فكم أوصى الرجال بالرفق بالقوارير ومعاملتهن معاملة حسنة لكون المرأة لا تقل شأنا عن الرجل، بل هي اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع الإسلامي، وعنصر فعال ومهم في بناء الأمة.
ويوم كان رسول الله (ص) في مكة أعلن عن منهجه في اشراك المرأة كما أشرك الرجل، في القضايا التي تهم الأمة وتمس مصالحها العليا وهو ما متعارف عليه اليوم بالعمل أو النشاط السياسي، فحينما أقبل وفد الأنصار لمبايعة رسول الله (ص) وإعلان تأييدهم له، كان معهم ثلاث نساء: نسيبة بنت كعب، وأسماء بنت عمرو، وأم منبع، فبايع النبي الأعظم النساء كما بايع الرجال في بيعة العقبة.
والبيعة كما هي معروفة تعني الولاء للقيادة والدولة، ويترتب عليها حقوق الأفراد على القيادة والواجبات التي عليهم نحوها. وهي بمثابة الانتخابات التي تجري في عصرنا الحاضر وأشرك الرسول (ص) النساء في البيعة لتكون حجة على الأمة في أهلية المرأة في المشاركة في صنع القرار السياسي.
والشورى هي أيضاً لون من ألوان المشاركة في إبداء الرأي واتخاذ القرارات التي تهم مصلحة الأمة، وقد أشرك النبي الكريم (ص) النساء في الشورى في المصالح العامة وفيما يتعلق بشؤون الأمة، كدليل على أهلية المرأة في إعطاء المشورة وتنفيذ ما تشير به، إن كان الرأي ينسجم مع المصلحة العامة، كما هو الأمر في استشارة الرجل. (المرأة في نهج البلاغة/ ص ١٤٦).
ولكن مع تفشي العادات المتخلفة فإن ما ينقص المجتمع في الوقت الحالي هو ناشطون إسلاميون يتحملون المسؤولية في قيام ثورة فكرية على جميع تقاليد الجاهلية الموروثة والعودة إلى حقائق الدين في انتشال المرأة من واقعها المرير وانتزاع القيود المجتمعية الخاطئة التي حدّت من عطاءها السياسي واستهانت بعقلها النسائي الفذ، لجعلها أمام مسؤولياتها ومواجهة التقاليد الرجعية والعمل بما يريده الله منها نصرة للإسلام ونهوضاً بواقع الأمة.
وليس من باب الصدفة أن يذكر الله لنا أسماء النساء في كتابه الكريم عند ذكر الأنبياء، فحواء مع آدم، وأم موسى، وأم عيسى، وزوجات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد ذكرهن الله سبحانه وتعالى ليذكرنا بدور المرأة الكبير في أحداث التاريخ.
وليس من باب الصدفة أيضاً أن يكون ٥٠ شخص من أصل ٣١٣ من نواب الامام المنتظر (عليه السلام) من النساء!، فالإمام يحتاج إلى نساء واعيات في غيبته وظهوره فلو كانت المرأة غير قادرة على تحمل هذه المسؤولية لما أعطاها الله سبحانه وتعالى هذه المنزلة لتكون قائدة جنباً بجنب الرجال في حكومة المهدي (عليه السلام) وتساهم في اصلاح الأرض وتحارب بوادر الظلم والجور في حكومته الجليلة!.
فالمرأة مكلفة بتقديم الرسالة الإلهية كما هو الرجل مكلف بذلك، فمقابل الحقوق التي ينادي بها المجتمع، هنالك واجبات وتكاليف على المرأة يجب أن تؤديها بأكمل وجه.
وأي تقصير يبدر منها في هذا الجانب سيؤدي بالضرر على الأمة، لأن تكليف المرأة اليوم هو تكليف عميق وخطير، وربما أعظم تكليف هو تربية جيل صالح ومقاوم لمغريات العدو الذي يحاول جرف الأجيال إلى الظلال والتهلكة، فمهمة المرأة اليوم هو تربية جيل ممهد لظهور الامام (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ومن النقاط المهمة التي تساهم في أن تكون المرأة عنصرا رساليا ومعطاءً في المجتمع، وتحقق غاية الله من خلقها، هو الوصول إلى قناعة تامة بأن كل إنسان وبالأخص المرأة خًلقت من أجل تقديم رسالة معينة على اختلاف العمر والجنس والمكانة الاجتماعية، والإيمان التام بالقدرات الذاتية وتطبيق الأفكار النظرية على أرض الواقع والثبات على المبادئ السامية، والإصرار في التغيير حتى لو كان الموضوع يعمل على المدى الطويل ويأخذ وقتاً طويلاً حتى يؤثر على المجتمع ويكون سبباً أساسياً لعملية التغيير.
وفي كل الأحوال مسؤولية كل امرأة اليوم تجاه الله ودينها هي أن تكون امرأة صالحة ومدركة للتكليف الإلهي والواجبات الإسلامية التي تترتب عليها، لأنها نصف المجتمع وخليفة الله في الأرض، وتساهم في نشر المفاهيم السامية والقيم المؤثرة في المجتمع وتحاول بكامل وسعها أن تصحح من المسار الثقافي الذي بدأ يحذو حذواً آخر تحت سيطرة الغزو الأخلاقي والتضليل الفكري الناتج من الأيادي الخبيثة التي تحاول تحوير المجتمع من منهجه السليم إلى منهج أسود مظلم وقيادته إلى بر الأمان، ولو من بيتها وأسرتها صعودا إلى المجتمع.
ولا بأس أن تأخذ مساحتها الكاملة في العمل ولكن ليس على حساب البيت والأسرة، فما يتم تداوله اليوم في صفحات الانترنت هو حق المرأة في مجالات عديدة وأبرزها العمل والذي يؤيده الإسلام أيضا ولكن بحسب الأوليات والواجبات، خصوصا عندما يقف العمل بحذو تربية الأطفال وتنشئتهم تنشئة سليمة وعدم ترك هذه المهمة المقدسة للحضانات والخادمات بحجة ضغط العمل وضيق الوقت.
هنا تلعب الأولوية دورها الكبير ويكون من واجب المرأة في هذه المرحلة أن تؤدي تكليفها الكامل تجاه أولادها وبيتها..
ففي النهاية لو رجعنا إلى الدين الإسلامي فقد أنصف الله المرأة وشرع لها كل الحقوق والحريات التي تحفظ لها وجودها وموقعها المهم في المجتمع، إذ إن المرأة حرة كريمة مصونة في الإسلام قبل أن يشرع لها يوما عالميا في شهر مارس!، لها ما للرجل وعليها ما على الرجل بلا تمييز ولا احتقار ولا اضطهاد ولا تفضيل لأحد على الاخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.
فلقد أكرم الإسلام المرأة أيما إكرام قبل 1400 عام عندما قال الرسول: "استوصوا بالنساء خيرا"، ليكمل على أثره الأئمة الأطهار هذه المسيرة المشرفة في إبراز مكانة المرأة، حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "أكثر الخير في النساء" (وسائل الشيعة: ج20 ص24 ب3 ح24932).
فهل للمرأة في هذا الزمن وفي كل زمن شريعة أو دستور حقيقي ينهض بحقوقها وينصفها وينصرها أكثر من دين الإسلام؟.
اضافةتعليق
التعليقات