قد نعتقد أننا نستطيع التحكم في مراهقينا ((من أجل صالحهم)) من خلال قائمة طويلة من القواعد ولكن هذا الأمر لا يجدى فمع مرور كل عام يصبحون أكثر دهاء، أو مهارة في التحايل على تلك القواعد الخاصة بنا بدون أن ندرك ذلك إن هذا جزء طبيعي من نموهم وعلينا أن نتقبل مسألة أن سلطتنا تضعف بينما ينتقل أولادنا إلى المزيد من الاستقلال، والتحكم في تصرفاتهم بأنفسهم، كما علينا أن ندرك أننا إذا قاومنا هذه العملية عن طريق مواصلة التحكم والسيطرة، فإننا فقط نحكم عليهم وعلى أنفسنا بصراعات ومشاحنات لا نهاية لها.
إلا أننا يمكننا مواصلة التأثير على مراهقينا طوال فترة المراهقة حتى الشباب وتأثيرنا ينبع من علاقتنا بهم بما في ذلك قدرتنا على تفهم الأمور ومناقشتها بوضوح، إنه طريق ذو اتجاهين: كلما استمعنا لمراهقينا باحترام، فسيزيد احتمال استماعهم لنا باحترام متبادل.
إن علاقتنا بهم يجب أن تتطور بالتدريج عبر هذه السنوات من المراهقة عن طريق التجاوب مع إحساسهم المتنامي بالاستقلال قد يكون من الصعب علينا كآباء أن نتجاهل شؤونهم بصورة كبيرة ، ولكن هـذا هـو المطلوب منا أثناء سنوات المراهقة مما لا شك فيه أنه قد يأتي علينـا بعض الأوقات التي نرفض فيها أن نتخلى عن التحكم، والسيطرة وخاصة عندما نعتقد أننا نحمى مراهقينا، كما إنه يكون من الصعب علينا أحياناً أن نعتقد أن أولادنا الذين كانوا "بالأمس" يتعلمون قيادة الدراجة يمكنهم الآن الاعتناء بأنفسهم.
في عالم الواقع إن حياة المراهقين تتغير تماماً عندما تنتهى سنوات الطفولة وتبدأ سنوات المراهقة، ولكن حياتنا نحن تظل كما هي لذا فإننا ننفى ونرفض فكرة أن "أطفالنا الصغار" يكبرون، ولأن هذا يعني الاعتراف بأننا نكبر في السن أيضاً ولكن سواء كنا على وعى بهذا أم لا أونتقبل ذلك أم لا، فإن المراهقين يتقدمون سريعاً في حياتهم إلى مرحلة الشباب - يتعلمون قيادة السيارة، وكسب المال الخاص بهم والحصول على حريتهم، فالمستقبل يفتح لهم ذراعيه، بينما قد نكون نحن مرتبطين بالماضي ولا نزال نحاول تذكر وضع صورهم وهم صغار في ألبومات الصور.
وفن تربية مراهق يشبه إحداث توازن دقيق بين حاجتنا لأن نتمسك بالسيطرة وما نراه صوابا وبين حاجتهم لأن يكونوا أحراراً ومستقلين بحياتهم فلو لجأنا إلى تضييق الخناق عليهم بالكثير من القواعد، فقد يكون كل ما نفعله هو أننا نقوم بإيجاد أرضية للعصيان والتمرد لذا فإن التحدي الحقيقي الذي نكون بصدده في هذه المرحلة هو أن نوازن بطريقة عادلة بين حريتهم المتزايدة عن طريق تحميلهم مسؤولية متزايدة والتقدم بالتدريج للأمام معهم خطوة بخطوة أثناء نضجهم المتزايد.
كان "أنطوان" البالغ من العمر ١٥ عاما يريد الذهاب لحفل موسيقى"الروك" مع أصدقائه الذين كان من بينهم من وصل للسن التي يستطيع فيها قيادة السيارة كان أبواه يعلمان أنه قد يكون هناك مخدرات وكحوليات في الحفلة لذا فقد رفضا ذهابه رفضاً تاماً أخذ "أنطوان" يتوسل إليهما، ولكن ظل أبواه مصممين على قرارهما، ولم يوليا أي انتباه لتوسلاته بعد عدة شهور كان "أنطوان" قد رتب للمبيت في منزل أحد أصدقائه ولم يولي أبواه هذا الأمر الكثير من الاهتمام – فلقد كان ذلك في عطلة نهاية الأسبوع.
كما إنهما كانا يعرفان الصديق ويعجبهما لكن في تلك الليلة، ذهب الولدان لحفلة موسيقى "الروك" وحظيا كلاهما بوقت رائع ولم يعرف والدا "أنطوان" أبداً بهذا الأمر . يتميز المراهقون بأنهم واسعو الحيلة خاصة عندما يتعلق الأمر بالتحايل على قواعد الآباء فلن نستطيع أبداً معرفة مكانهم في كل الأوقات، ولا من معهم، أو ما الذي يفعلونه فلو حاولنا التحكم فيهم عن طريق القواعد الجامدة ولم ندع لهم مساحة للمناقشة فنحن بذلك نفقد الفرصة في التواصل معهم في الأمور المهمة حقاً في المثال السابق يخسر "أنطوان"ووالداه الكثير لقد كان من الأفضل بالنسبة للأبوين أن يتوصلا لحل وسط يمكنهم جميعاً أن يرضوا به بدلاً من دفع "أنطوان" لأن يشترك في الخداع بسبب عدم مرونتهما قد نضطر لتذكير أنفسنا من أن لآخر بأن الحفاظ على التواصل الصريح مع مراهقينا أهم من تأكيد تحكمنا فيهم.
ربما كان من الممكن أن يعرض والدا "أنطوان" أن يقلاه هو والأصدقاء إلى الحفلة ذهاباً وإياباً، أو كان بإمكان "أنطوان" أن يعدهما بالبقاء على اتصال بهما بالهاتف المحمول كانت مثل هذه الحلول لتحافظ على الأقل على فكرة أن يظل الاحتمال قائماً لـ "أنطوان" بأن يشارك أبويه تجربة حضوره الحفلة بما فى ذلك ملاحظاته الشخصية، وقراراته حيال إدمان المخدرات، والكحوليات ولكن لأن الأمر انتهى بخداعه لهما فإنه الآن سيواجه وحده أية مشاكل صعبة قد تنشأ، بدون مساعدة والديه وإرشاداتهما.
الهدف من القواعد
قد يجد بعضنا صعوبة في تقبل الحد من فرص السيطرة علي أولادنا المراهقين، مما قد يجعلنا نضع قواعد أكثر حزماً وتقييداً ونصبح كالمخبرين السريين نتطفل على حجراتهم ونعاقبهم عندما نضبطهم متلبسين بعمل شيء خاطئ كيف يمكن أن يؤثر ذلك على علاقتنا بهم؟
هل هذا يحميهم بالفعل، يجب أن تصمم أية قواعد نضعها على أساس إرشاد مراهقينا لاتخاذ القرارات السليمة وخاصة فى المواقف التي من المحتمل أن تكون خطيرة وبما أننا لسنا متواجدين دائماً لحمايتهم في الأوقات الحرجة فإن مصيرهم يعتمد على قدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة بأنفسهم وبالطبع فإننا نأمل أن يكونوا أقوياء ومستقلين بذاتهم بالدرجة الكافية لتقييم مزايا وعيوب أي موقف، والموازنة بين المخاطرة والفائدة، والنتيجة الفورية والعواقب طويلة الأمد، وعمل الاختيار المناسب إن فرض مجموعة من القواعد التعسفية على المراهقين لن يساعدهم على تنمية هذا المستوى من النضج إن بإمكاننا التأثير على مراهقينا فقط لو أننا أبقينا على التواصل الصريح معهم فيتعلم المراهقون بالتدرج كيف يتخذون القرارات السليمة لأنفسهم عن طريق علاقتهم بنا؛ عن طريق الإنصات لهم وإرشادهم بلطف.
اضافةتعليق
التعليقات