من المؤكد أن الأطفال ساعة يولدون لا يحملون معهم دليلا مفصلا للآباء، ولا حول كيفية التصرف والتعامل معهم. ولا يختار البيئة التي ستكون له قاعدة انطلاق نحو الحياة سواء كانت تلك البيئة صالحة أو طالحة. وهل ستكون سلوكيات الآباء وبقية أفراد الأسرة عوناً له في مواجهة العقبات والمشكلات التي سيواجهها يوما ما أو عبئاً آخر يثقل كاهله؟.
وعادة ما يقع الأولياء في الكثير من الهفوات والسلوكيات الضارة التي تعرقل بناء شخصية أطفالهم بشكل متوازن وسليم. وهناك إساءة قد تكون غير مقصودة ولكن لها أثرا بالغاً على نفسية الطفل دون أن ينتبه الآباء؛ منها الإحباط والتنمر، والتعامل معه بقسوة والإنتقاص من ذات الطفل.
أفادت كثير من الأبحاث بأن الأطفال الذين يتعرضون للانتهاكات والعنف الأسري وغيرها من الضغوط يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية وخاصة للأمراض المزمنة، والنفسية، والكآبة والانخراط في العزلة. وأغلب تلك الحالات تُشخص في مرحلة متأخرة. لا يمكن التساؤل عما إذا كان الآباء مذنبين بشأن ارتكابهم لهذه السلوكيات الضارة، ذلك أن ما يقومون به أحيانًا بكل بساطة هو عملية "نسخ" لكل الممارسات التي تلقوها من آبائهم في الماضي.
وهذا يعني أنه لا توجد مادة أو دليل يعلم الأشخاص كيف يصبحون آباء صالحين، وإنما الأبوة تُكتسب عن طريق الخبرة والتجارب الحياتية. وتعد إساءة معاملة الأطفال من المشكلات العالمية التي تؤدي إلى عواقب وخيمة تدوم مدى الحياة. وأغلبها إساءات غير مقصودة.. منها خنق الطفل بقضايا سلبية وتشائمية للحياة. فالأب يعكس آلامه وتجاربه اليومية المشحونة؛ المتمثلة بالعوز وفساد موظفي الدولة من عامل النظافة وحتى الهرم الكبير.. بمن هم في موضع القيادة.. بل يتعد الأمر إلى أكثر من ذلك حتى البعض يفتح ملفات دول عظمى وصراعاتها على وجبة العشاء، أو وقت إجتماع العائلة فيقتل فرحة تواجده مع أبنائه بتلك الإبتلاءات التي لا تعد ولا تحصى.
فيحمل الطفل صراعات وأفكار لايستطيع محلل سياسي أن يجد لها حلاً أو تفسيراً معيناً. ونحن نجد الإختلاف بين جيل العشرينيات وعما سبقه.. رغم التطور العلمي السريع وتوفر الألعاب الإلكترونية وسبل الرفاهية التي يحصل عليها الأولاد بسهولة؛ نشأ جيلاً متذمراً كئيباً، وإزدادت معالم الجريمة في مراحل مبكرة من عمر المراهقين، والبعض الآخر وجد الإنتحار منفذا للخلاص من تشعب الأفكار السوداوية في حياته التي تحاصره في كل جانب من جوانب الحياة.
الأولاد هم هبة اللّه لنا، وقد يكون هذا الولد معلماً كبيراً أو عالماًجليلاً أو طبيباً فهو بذرة لمستقبل جديد وينبغي الإعتناء به. ولا يقتصر الإهتمام بتبلية الحاجات الضرورية للمعيشة والترفيهية للأولاد- فالولد كما يحتاج إلى التغذية الجسدية يحتاج إلى غذاء النفس بالحب والرعاية ورصانة الذات. ومن الضروري أن يعي الآباء أهمية النقد الذاتي لطريقة تربيتهم لأطفالهم، وأن يحددوا السلوكيات التي يمكن أن تضر بأبنائهم، حيث لا يمكنها أن تؤثر على احترام الأبناء لذواتهم وتتسبب لهم مشاكل جسيمة في المستقبل.
حيث تتسبّب التنشئة الخاطئة في معاناة الأطفال والأسر وبإمكانها أن تخلّف عواقب طويلة الأجل؛ وبالنتيجة تزيد مخاطر تعرّض الأطفال الذين عانوا من إساءة المعاملة لمشاكل صحية سلوكية وجسدية ونفسية عند الكبر.
أو قد ينحرف الولد ويكون عرضة لتناول الكحول والعقاقير المخدرة، وهو ما يزيد من مخاطر تدهور حالته الصحية في مرحلة لاحقة من الحياة. وقد تنتقل تلك التجارب السيئة من جيل إلى جيل. وبهذا نكون قد ساهمنا في بناء جيل فوضوي عبثي غير قادر أن يعيل نفسه.
إضافة إلى ما مرَّ أكّد الإسلام على لزوم تفهّم الوالدين لمرحلة الطفولة في التعامل مع الأولاد، ووحدة الأسرة والتفاهم له أثر كبير على الطفل.
فلا بدَّ للأب - وكذا الأمّ - أن يترك شأنه ومقامه الاجتماعيّ بل ما يستدعيه عمره في التعاطي مع الناس في المجتمع لينزل إلى مستوى طفولة الولد فيلاعبه بكلّ عطف وحنان ورحمة، وهذا ما بيَّنه النبيّ الأعظم "صلى الله عليه وآله" في قوله: "من كان عنده صبيّ فليتصابَ له". وقد مارس النبيّ "صلى الله عليه وآله" بمرأى المسلمين التصابي للأطفال وذلك حينما رأوه يحبو والحسن والحسين عليهما السلام على ظهره، وهو يقول: "نِعمَ الجمل جملكما، ونِعمَ العدِلان أنتما".
الإسلام دين محبة وعدل هو المنهل وكلام الله المبجل الذي أرسى مبادئ قوانينه في القرآن على لسان النبي ثم أئمة أهل البيت عليهم السلام ليكون منهجاً لا يضل المؤمن من بعده.
فمن آداب الإسلام تأديب الأولاد، أن تعاملهم بلطف وحنان ومحبّة وتشويق لا بالغلظة والقسوة والغضب. لغة الحب أصدق وأقوى من لغة الغضب.
وليكن جسر الوصل بين القلوب، يجب أن تسود لغة الحب والتفاهم بين العائلة فقوة الكلمة الطيبة أكثر أثراً من العصبية والكلمات النابية والمؤذية. ليكن حديثك إيجابياً مفعماً بالأمل لا تَذر عليهم رماد اليأس.
إذا أردت أن تصلح وتجني ثمار صالحة اعتنِ بولدك كن رفيقاً له لاضابطاً تتعامل معه بنظام المعسكر.
حاول أن تنشر الإيجابية، لا تدع الأحقاد المتوارثة تتعب كاهلهُ.
أغلبنا قد تعرض لصدمة عرضية في مرحلة الطفولة وبعدها نهدأ ويواسينا آباؤنا وتنمو أجسامنا بهذا المستوى الأقل من التوتر والأكثر ارتياحا.
كما أنّ التفطّن، مبكّراً، إلى حالات إساءة المعاملة والاستمرار في رعاية الأطفال الضحايا والأسر من الأمور التي يمكنها المساعدة على الحدّ من تكرّر إساءة المعاملة والحدّ من عواقبها.
أصعب معركة في حياتك عندما يدفعك الناس لتكون شخص آخر. ازرع الثقة في نفوس أولادكم. أقرب طريق له؛ صداقته.
اضافةتعليق
التعليقات