قال الله تعالي في محكم كتابه الشريف: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ}1
نبأٌ عظيم، وخطبٌ جليل، أُحيط بسرية وكتمان وخفاء، لأهميته وعظم شأنه، في عالمٍ يسمى "بعالم المعراج"، من فوق عوالم السماوات والحجب، أنبأ به مباشرة خاتم الأنبياء والرسل محمد (صلى الله عليه وآله) وبدون واسطة من ملك، لا من جبرائيل ولا إسرافيل ولا ميكائيل ولا اللوح ولا القلم وو..
ولم يَنزل الله تعالى على رسوله الكريم أعظم منه من نبأ ولا آية أكبر منه، لا في سماء ولا في أرض ولا في معاد ولا في جنة أو نار.. سخرت كلها منذ عهد الميثاق لطاعة ومحبة وولاية من نصت عليه ظاهرًا وباطنًا، ولفظًا ودلالةً، مفردة "النبأ العظيم"، المنصوصة في آية "عم يتساءلون.."، ومن شملته بالولاية والطاعة آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}2، ألَا وهو يعسوب الدين وإمام المتقين و"سيد السادات" و"داحي باب خيبر" و"الغُرّ المحجلين" و"آية الله العظمى" و"قسيم الجنة والنار" علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما .
وقوله صلوات الله عليه لعلي بن دراع الأسدي .. (وتالله يا علي ما اختلف الملأ إلى بي وما لله نبأ هو أعظم مني، ولي ثلاثمائة اسم، لا يمكن التصريح بها لئلا يكبر على قوم لا يؤمنون بفضل الله (عزَّ وجلَّ) على رسوله وأمير المؤمنين والأئمة الراشدين).3
وما تركه أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) من ثراءٍ معرفي وثقافي حول حقيقة مفردة "النبأ العظيم" كان جدًا وافرا وكافيًا، فقد كان سيد البشر المصطفى يخاطب علي أمير المؤمنين صلَّى الله عليهما وآلهما جهارًا وعلى الدوام بهذا المصطلح الخاص به "النبأ العظيم" كما (يُحدِّثنا إمامنا الرَّضا صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه، عن الآباءِ الأطهرين عن الحُسين: الحُسينُ يقول، قَالَ رَسُولُ الله لِعَليٍّ صلَّى الله عليهما وآلهما: يَا عَلِيّ أَنْتَ حُجَّةُ الله وَأَنْتَ بَابُ الله وَأَنْتَ الطَّرِيقُ إِلَى الله وَأَنْتَ النَّبَأُ العَظِيم وَأَنْتَ الصِّرَاطُ الـمُسْتَقِيم وَأَنْتَ الـمَثَلُ الأَعْلَى..)4 .
ونقرأ في الزيارة الغديريةِ الشريفة المرويةِ عن إمامنا الهادي صلواتُ اللهِ عليه والتي نزورُ بها أمير المؤمنين في يوم الغدير (السَّلامُ عَلَيْكَ يَا دِينَ اللهِ القَوِيم وَصِرَاطَهُ الـمُسْتَقِيم، السَّلامُ عَلَيكَ أَيُّهَا النَّبَأُ العَظِيم الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُون وَعَنْهُ يُسْأَلُون، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ الـمُؤْمِنين) 5، كما في الزيارة السابعة المطلقة لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في مفاتيح الجنان جاء هذا التعبير (السلام على النبأ العظيم السلام على من أنزل الله فيه وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم السلام على الصراط المستقيم ) 6.
كما نخاطب صاحب العصر والزَّمان (صلوات الله وسلامه) عليه في دعاء الندبة: يَابْنَ الصِّرَاطِ الـمُسْتَقِيم، يَابْنَ النَّبَأَ العَظِيم، .. أي يعني أنَّ أباهُ حقيقةً هو النبأُ العظيم، مثلما أقولُ لهُ: (يابْنَ عَلِيٍّ أمير المؤمنين).
وجاءت الروايات الشريفة لتؤكد أن "النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون" هو علي بن أبي طالب الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليهما وآلهما): "يَا عَلِيّ أَنْتَ الـمُفَارِقُ بَعْدْي" 7 أي أنت الذي تفارِقُك الأُمَّةُ بمختلف أجناسها وتختلف فيك ولم تكون معك إلَّا الفِرقةُ النَّاجية كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أُشْهِدُ الله تَعَالَى وَمَنْ حَضَرَ مِنْ أُمَّتِي أَنَّ حِزْبَكَ حِزْبي وَحِزْبِي حِزبُ الله وَأنَّ حِزبَ أَعْدَائِكَ حِزبُ الشَّيْطَان)8.
وقال أبي الحسن الرضا (صلوات الله عليه) في تفسيره لهذه الآية الشريفة.. "قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما لله نبأ أعظم مني، وما لله آية أكبر مني، وقد عرض فضلي على الأمم الماضية على اختلاف ألسنتها فلم تقر بفضلي )9 كما جاءت بمصطلح آخر في رواية أخرى" ولقد عرضت ولايتي على الأمم الماضية فأبت أن تقبلها،.."10
وسوف يسأل عن ولاية "النبأ العظيم" و"الآية الكبرى" في جميع العوالم القادمة في عالم القبر والبرزخ والرجعة ويوم القيامة فلا مفر من ذلك..
فقد سئل سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله) عن "النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون" كما جاء عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية، فقال: هو علي عليه السلام لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس فيه خلاف..
قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله وقال: يا محمد هذا الأمر بعدك لنا أم لمن؟ فقال: يا صخر الأمر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى، فأنزل الله تعالى "عم يتساءلون * عن النباء العظيم * الذى هم فيه مختلفون": منهم المصدق بولايته وخلافته، ومنهم المكذب بهما، ثم قال:" كلا " وهو رد عليهم "سيعلمون" خلافته بعدك أنها حق "ثم كلا سيعلمون" يقول يعرفون ولايته وخلافته إذ يسألون عنها في قبورهم، فلا يبقى ميت في شرق ولا في غرب ولا في بر ولا في بحر إلَّا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت، يقولان للميت: من ربك؟) 11.
وجاء عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في خطبة الوسيلة بإسناده عن جابر، عن أبي جعفر (صلوات الله عليه) وساق الخطبة إلى أن قال: ألَا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون، وكباب حطة في نبي إسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح، وإني النبأ العظيم، والصديق الأكبر، وعن قليل ستعلمون ما توعدون 12 .
والعجيب أنهم يوم رفعوا المصاحف "يوم صفين" كانوا يقرأون القرآن الكريم وتلك الآية الشريفة "عم يتساءلون عن النبأ العظيم" لكنهم يجهلون مَن هو المخاطب بها ومن هو "القرآن الناطق"، وبإسناد إلى علقمة أنه قال: خرج يوم صفين رجل من عسكر الشام وعليه سلاح وفوقه مصحف وهو يقرأ "عم يتساءلون عن النبأ العظيم" فأردت البراز إليه، فقال (لي) علي عليه السلام: مكانك. وخرج بنفسه فقال له: أتعرف النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ؟) قال: لا فقال علي (عليه السلام): أنا والله النبأ العظيم الذي في اختلفتم، وعلى ولايتي تنازعتم، وعن ولايتي رجعتم بعد ما قبلتم، وببغيكم هلكتم بعد ما بسيفي نجوتم، ويوم الغدير قد علمتم، ويوم القيامة تعلمون ما عملتم ثم علاه بسيفه، فرمى برأسه ويده ويؤيده: ما رواه الأصبغ بن نباتة أن عليًا عليه السلام قال: "والله أنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون" 13.
ورغم هذا الثراء الجزيل، ما زالت بعض الطوائف المغرضة، مجتهدة في تضعيف وإبعاد هذه المفردة- النبأ العظيم- عن مدلولها الصحيح وهو علي أمير المؤمنين وولايته. وحصرها في معاني أخرى لا محل لها من الأعراب، كمثل الخبر العظيم/ والقرآن / والبعث / ويوم القيامة/ واليوم الآخر، كما جاء الطبري بها في تفسيره حول آية "عم يتسألون "14، لكن الله لهم بالمرصاد و{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}15.
أليس من سفه القول أن يفسر "النبأ العظيم" بهذه المفردات أو بيوم القيامة، في الوقت الذي يكون فيه "قسيم الجنة والنار" و"ديان يوم الدين "هو علي صلوات الله عليه وهو الحاكم يوم القيامة، والقاضي، والممثل الأكبر فيها عن حساب الخلق وإيابهم بعد الله تعالى ورسوله، ألم يعلموا أن عوالم يوم القيامة؛ التي عدت بخمسين عالم، والتي هي أكبر وأطول من عوالم الدنيا وأكثر عمرًا من عالم الرجعة، والتي هي في مرتبة دون دون عالم الجنة وما فوقها من عوالم أخرى، كلها مُسخرة ومتصرفة في خدمة علي "قسيم الجنة والنار" كما أوحت به بيانات العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم).
إذن الدين والعقل والمنطق يحصر "النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون" فقط وفقط بعد التوحيد والنبوة، في علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما "أمير المؤمنين" و"النبأ العظيم" وفي ولايته.
فسيلقى غدًا الظالم والكافر به وعلى يديه سوء العذاب، وسيتمنى لو كان ترابيًا، مواليًا، متبعًا لأبي تُراب وحينها سيقول { ..يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا }16 ،..و{هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}17.
------------
اضافةتعليق
التعليقات