للتفكير أنواع وطرق مثلى على الانسان أن يختار احداها مع كل موقف وظرف خاص يمر به وهي على وجه العموم كالتالي:
التفكير العام:
وهو الذي يعنى بالشأن العام للأمة وليس مقتصراً على التفكير في الشؤون الخاصة للأشخاص أو المؤسسات، فهذا يحظى بعناية أربابه لما يحقق لهم من مصالح، وقد نجد نماذج متميزة تفكر في أمورها الخاصة بكفاءة عالية، ويهمنا كيف نستثمر تفكيرها في الأحوال العامة للأمة.
التفكير الشمولي:
وهو الذي يتناول المسائل من جميع جوانبها، ويفكر في جميع ما يتصل بها، فالتداخل في عالم اليوم جعل العلاقات متشابكة، فالاقتصاد يؤثر في السياسة، والسياسة ترتبط بالإعلام، وكل من الاقتصاد والإعلام ينعكس على الاجتماع وهكذا، ومن ثم لابد أن يكون التفكير شاملاً لجميع العلاقات والتداخلات المتصلة بالموضوعات.
التفكير المتخصص:
ونحن في عصر التخصص الدقيق فإنه ينبغي أن يعطى التخصص حقه وقدره، وأن تحال كل قضية للمتخصصين لئلا يتصدى لها من لا يحسنها، ولئلا تتكرر مآسي واقعنا في وجود مسؤولين على رأس وزارات في غير تخصصاتهم، فالصحة مسؤولها متخصص في الجيولوجيا، والصناعة مسؤولها متخصص في النحو وهكذا.
التفكير الواقعي:
إذ التفكير يبدأ من معلومات الواقع أساساً، والواقعية تبتعد عن الأحلام والخيالات، وعن المزايدات والمبالغات، ولكنها في الوقت نفسه لا تستسلم للواقع بل هي تهدف إلى تغييره والتغلب على مشكلاته وسلبياته، ومن ثم فإن الواقعية ليست قيداً يحد من التفكير ويحول دون التغيير كما قد يفهم بعض الناس، ويلحق بالواقعية المرونة التي لا تحمل على التصورات والحلول الآحادية بل تضع التوقعات وتحسب حساب ردود الأفعال ومنها إيجاد البدائل وتنويع الحلول والوسائل.
التفكير التكاملي:
وهو التفكير الذي تتكامل فيه الجهود وتتظافر فيه الطاقات، ولا يكرر فيه ما سبق التفكير فيه بل يبنى عليه، ولا يكون التكامل إلا وجد مبدأ التعاون، وكان هو روح العمل وأساسه، ثم إن الجوانب التخصصية المختلفة لابد من جمعها والتأليف بينها لأن التداخل والتأثير بين الجوانب المختلفة يوجب ذلك.
والحق أن التفكير المنشود هو التفكير المقصود، الذي نقصد إليه قصداً، ونتوجه لإيجاده وتحقيقه، ونفرغ له الطاقات اللازمة، وتوفر له الامكانيات المناسبة، والوعاء المعروف لتحقيق ذلك هو مراكز الدراسات والبحوث، والأجهزة المركزية للمعلومات والإحصاءات، والدول منفردة والأمة مجتمعة ينبغي أن تعطي لذلك أولوية وتنفق فيه الأموال وتسخر له الإمكانيات بما يحقق الثمرات، ولابد من اليقظة الواعية بحساسية ودقة الظروف التي تحيط بالأمة، وشدَة وضراوة الهجمات الاعلامية والثقافية والمعنوية الموجهة لها، وقد آن الأوان أن لا تهدر الأموال والإمكانيات الهائلة في البلاد الاسلامية على الجزئيات، وللقائلين بأن الأمم المتقدمة لها عناية فائقة بالرياضة والفن، لهؤلاء أقول إن تلك الأمم قد أنفقت على الجامعات والصناعات ومراكز البحوث أضعافاً مضاعفة، وقد فرغت من وضع القواعد والأسس، وآليات العمل والتمويل التي بها ملكت زمام التقنية وأمسكت بأعنة الصناعة وتفوقت في إنتاج الآلة العسكرية، فلا عليها بعد ذلك أن تعنى العناية الفائقة بالفنون أو الرياضات، غير أن أمة ليس لديها الأسس والمنطلقات ولا النتائج والمنجزات في مثل هذه المجالات عليها أن تعيد النظر في ترتيب الأولويات.
وحتى يكون التفكير منهجياً صائباً فإنه لابد أن يبنى على اليقين لا الظن، "إن الظن لا يغني من الحق شيئاً"، وعلى التثبت لا الترخص "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، ويجب أن يقوم على الحق لا الهوى "قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت وما أنا من المهتدين".
ولا مناص من أن يكون أساسه الصدق لا التلون، والصراحة لا المداراة، ويلزم أن يعتمد التفكير على الدقة والتفصيل لا على الاجمال والتعميم، والمعلومات الدقيقة أساس التفكير والتخطيط، وأخيراً لا تتحقق الجدوى الكاملة إلا بأن يكون التفكير عملاً مؤسسياً لا يعتمد كلياً على الأشخاص، وإن كان يقدر لهم أدوارهم ويستثمر خبراتهم، فالأصل هو المنهج لا الأشخاص، والقضايا لا الأفراد، والنظام المنهجي لا المزاج الشخصي.
ولابد من إدراك أن الطريق إلى إحياء التفكير وجدية العمل ودقة التخطيط وأمانة التنفيذ وكفاءة الأداء كل ذلك طريقه مليء بالعقبات الداخلية والخارجية، فهناك الروح الانهزامية المستسلمة لتفوق الغير، وهناك العقلية النمطية الرافضة لمبدأ التغيير والتجديد، وهناك مراكز القوى النفعية التي تقوم مصالحها على الارتباط بالأجنبي، وهناك بيروقراطية الأداء في الأجهزة الحكومية بل والخاصة أحياناً، وهناك أرباب النفوذ السياسي في الطبقات الحاكمة التي لا ترى لغيرها حقاً أو إمكانية في الإنتاج والإنجاز، هذا فضلاً عن الإغراق في الملهيات، والإشتغال بالتفاهات، ولا ينبغي نسيان استهداف الأعداء لمنع عجلة التطور من الدوران، لأنها أكبر خطر على مصالحهم، وتزعزع نفوذهم، ولكن كل ذلك ينبغي أن يكون – لدى العقلاء والمخلصين – زاداً للتحدي وعاملاً للإصرار، حتى نتحرك شيئاً فشيئاً في مقاومة تلك العوائق، ونتقدم الخطوات الأولى في مسيرة آلاف الأميال نحو اليقظة والنهضة.
اضافةتعليق
التعليقات