مرت الأمة الإسلامية بعد رحيل الرسول الأعظم (ص) بمنعطفات تاريخية خطيرة، وإرهاصات وأعاصير فكرية وسلوكيات ما انزل الله تعالى بها من سلطان، فما إن انتقل الرسول الأكرم إلى بارئه، حتى عاد عرق الجاهلية الأولى ينبض في صدر الأمة من جديد، فتضاءل الوهج العقائدي والإيماني والعاطفي لدى الكثير ممن كانوا قريبين من الرسالة ونبيها (عليه وعلى اله صلوات رب السماء)، بل انكفاء وانطفاء في مواقف كثيرة ومواقع متعددة، حتى تحول بعضها إلى أداة لوأد الرسالة ونورها الخالد، فلم تزل الجاهلية متجذرة في أبناء الجيل الأول من الصحابة، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة، تتضح لنا صورها جلية إذ ما طالعنا وتصفحنا أوراق التاريخ الإسلامي، وان كان بشكل موجز وسريع، سيتبين لنا من الوهلة الأولى، ان الكثير ممن هم كانوا في الرعيل الأول لم يتأدبوا بأدب الرسالة وأخلاقياتها ولم يصل تأثيرها الروحي إلى وجدانهم، ولم يحصلوا على الدرجة اللازمة من الوعي والموضوعية والتحرز من كل رواسب الماضي الجاهلي السحيق.
((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)).
آيات قرآنية، أحاديث نبوية، ووقائع وأحداث وسجالات تاريخية شتى ملأت صفحات التاريخ الإسلامي بظلامها الدامس، إقصاءا واغتصابا وتنكيلا وتهجيرا، سياسة انتهجها المتسلقون الذين نزو على منبر رسول الله نزو القردة، فاستبعدوا المخلصين الصادقين وأمطروهم بوابل أحقادهم الجاهلية الدفينة، حتى كان احدهم يتغنى بقوله: تلاقفوها يا بني أمية تلاقف الصبي للكرة فما هنالك جنة ولا نار!.
زعامات منحرفة فرضت نفسها بالقوة تارة وبالمكر والخديعة تارة أخرى، مدعية تمثيل الإسلام وقيمومتها عليه، ظلما وعدوانا، فكان التظاهر الاستعراضي بالتدين سهلا يسيرا عندهم، عبثوا بالقيم الرسالية العليا وأسقطوها أمام طموحاتهم الدنيوية وقصورهم العاجية التي بنوها على جثث الصادقين من الرساليين أمثال أبا ذر وعمار وابن نويرة والهجري رشيد والمئات من الحواريين العلويين فضلا عن أهل بيت النبوة عليهم السلام، الذين قضوا على أيديهم القذرة، إقصاءا وتهجيرا وقتلا وتنكيلا، ليطمسوا ما تبقى من الحق وأهله .
مخاضات عسيرة مرت على الأمة الإسلامية بعد رحيل الرسول الأكرم، لم تكتفِ بمحاربة واضطهاد الشخوص من الرساليين، بل أنها تعدت ذلك بظلمها لتصل إلى العمق الفكري للرسالة وأدبياتها ومبادئها، فعبثوا اشد العبث بالأحكام الشرعية والقوانين السماوية المقدسة، فلم يسلم من عبثهم وفوضويتهم حتى كتاب الله تعالى، فلَووا عنق الكثير من النصوص القرآنية، بما يتناسب وأمزجتهم وأهوائهم الدنيوية لتثبيت عروشهم الظالمة، ولنا في التاريخ ما وصل حد التواتر بل زاد عنه بكثير، من ترهاتهم ونزواتهم الدنيوية الدنيئة .
مقدمات كثيرة وأحداث ساخنة لا يمكن لنا حصرها في مقال واحد، عصفت بالإرث الرسالي والقيم السامية للإسلام المحمدي الأصيل، على يد الجلاوزة والمتسلقين على حبال القيم والقداسة .
فكان لابد لأمة من صعقة تفيقها من الغفوة التي تلبست بها وجثمت على صدرها لسنين طوال، وتعيد لها هيبتها وتقوم اعوجاجها، فكان الحسين عليه السلام رجل المرحلة وسيدها، ورجاله رجالها.
حتمية لابد منها، الطفوف، وكربلاء، والدماء الزكية، وقفة خالدة خطت بأحرف من ذهب، أنها الحتمية الصاعقة التي لابد منها، لحفظ الحق من إن يطمس وحماية جوهره من التزييف والتظليل والانحراف. فخاض غمارها وسفك دمه الشريف لاجلها، ليثبت دعائمها، لا أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، إنما لطلب لإصلاح في امة جده (ص)، ثورة اصلاح كبرى بامتياز، لم يعرف تاريخ البشرية لها من مثيل، لأنها أحيت المبادئ والقيم المقدسة في نفوس وعقول الأجيال المتعاقبة، أعطت دروسا وعبر مشرقة ومشرفة في سبيل المبادئ والقيم المقدسة في عقول الأجيال المتعاقبة، واعادت للأمة ما فقدته من مقوماتها وذاتيتها، واعادت لشريانها الحياة الحرة الكريمة، وكانت لها اثر كبير _الثورة _ على الأمة من بعدها، حتى تعاقبت الثورات، وعمت أرجاء الدولة الأموية، كالمارد الجبار وهي تسحق تحت أقدامها الطغاة، ساخرة من الحياة مستهزئة بالموت، تزج بأبنائها في ثورة تلو أخرى، حتى أطاحت بالحكم الأموي، واكتسحت معالمه الزائفة ..
اضافةتعليق
التعليقات