قال الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام):
عجبٌ لمن يتفكّر في مأكوله، كيف لا يتفكّر في معقوله؟! فيجنّب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يرديه!.
في عالم اليوم ثمة أمور غريبة تحدث، كل شيء في نمو وتكاثر عجيبين وعلى النقيض من ذلك هناك نقص وتدهور كبيرين في اشياء اخرى!.
فنرى مثلاً إن العالم مهووس بجانب الطعام والشراب ويبذل جهده وعقله وقدراته الهائلة لإكتشاف أكلة ما أو تعديلها أو تغيير شيء ما فيها وتجري احياناً مسابقات وتعقد الندوات على تذوق طعام ما تم طبخه وكل هذا اذا كان بنطاق المعقول فإن الشرع لم يقف في طريقه وإن كان غير ممدوحاً.
ولكن يجب أن تكون موازنة في أمور الإنسان إن كان عاقلاً فطيناً فيهتم بمعقوله كما يهتم بمأكوله كما قال الإمام الحسن سلام الله عليه فلو خير الإنسان بأن يجلب له طعام من مطعم درجة اولى او من بيت متواضع او من سلة المهملات فأكيد سيختار الخيار الأول أو على أقل التقادير الخيار الثاني ولا يوجد كيساً على وجه الأرض يختار الخيار الثالث لما به من ضرر واضح.
فقد كان أمامك ثلاث خيارات لتناول الطعام، واخترت أفضل الأماكن وأفضل الطعام، فلماذا لا تختار أفضل وأعظم الأفكار إلى عقلك حتى تسير حياتك على ما به سعادتك، يقول دزرائيلى رئيس وزراء بريطانيا السابق: «غذ عقلك بالأفكار العظيمة فلن تسمو إلى أعلى مما تفكر فيه».
ومن الايات التي استوقفتني قوله تعالى: (فلينظر الإنسان الى طعامه)عبس (24)، فهل كان امر رب العزة قاصداً الاكل والشرب أم غير ذلك، وكان جواب ضالتي لدى ائمة الهدى حين وضحوا تفسير هذه الاية بأحاديثهم..
1- عن زيد الشّحام عن أبي جعفر(ع) "قال: قلت ما طعامه؟
قال: علمه الذي يأخذه عمن يأخذه" (1).
فعقل الإنسان له قدرة على استيعاب كم هائل من المعلومات وتخزينها وفي عالم اليوم نجد أن الكثير ملأ عقله بتوافه الأمور او أنه لم يستخدمه اصلاً وشر منهما من استخدمه استخداماً خاطئاً فالطريق وعر جداً وعلينا التمييز بين الضار والنافع وأن نأخذ ماينفعنا من الأشياء سواء كانت منظورة أم مرئية ونتفكر فيها كما نتفكر بمأكولاتنا ومشروباتنا وسائر أمورنا وكما خصصنا مكان لطبخ الطعام فلنخصص ركناً من اركان البيت للقراءة والمطالعة وتغذية العقل وطبخ الأفكار، فالطفل الذي ينشأ بين أب وأم يحبون القراءة والمطالعة نأمل منه أن يكون فرداً مثقفاً نافعاً فكما نغذي اطفالنا بالطعام علينا أن نغذي أرواحهم وعقولهم.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ما لي أرى الناس إذا قرب إليهم الطعام ليلاً تكلفوا إنارة المصابيح ليبصروا ما يدخلون بطونهم، ولا يهتمون بغذاء النفس بأن ينيروا مصابيح ألبابهم بالعلم، ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب في اعتقادهم وأعمالهم) (2).
هل يعقل أن لايهتم الإنسان بغذائه مطلقاً؟
إن دين الإسلام هو دين واقعي لا يأمر الإنسان بأشياء خيالية او خارجة عن الطبيعة فكما يأمر باهتمام الإنسان في الأمور التي تغذي عقله وروحه أيضاً لم يستنكر منه اهتمامه بغذائه فالجسد الصحيح أقدر من غيره على طاعة الله فيحتاج الانسان كسائر الأحياء إلى الغذاء، فبالغذاء يستطيع أن يستمر في حياته، وإذا لم يتناول طعاماً فإنه يموت. إن جميع الشهوات والميول الانسانية التي هي مصدر النشاطات المختلفة تستيقظ بعد تناول الطعام وتدفع الانسان إلى الحركة والعمل والسعي. وفي العصور المظلمة كان بعض الناس يتوهمون أن الأنبياء لا يحتاجون إلى الطعام لمنزلتهم السامية، ولذلك فقد جاء القرآن الكريم مفنداً هذه النظرة بصراحة: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾(الأنبياء:8).
وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام يوضحون في مقامات عدة ماهو محرم أو مستحب او مكروه من الأغذية فمثلاً كان الإمام علي عليه السلام يأكل خبز الشعير لما فيه من فوائد جمة ولا ينخل له خبز قط كما في قصة سويد بن غفلة، حين يقول: دخلت على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يوماً وقد حان وقت تناول الغذاء فرأيته جالساً على جانب مائدة، وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه، فذهبت إلى خادمته وقلت لها: يا فضة ألا تتقين الله في هذا الشيخ؟! ألا تنخلون له طعاماً مما أرى فيه من النخالة؟ فقالت: قد تقدم الينا أن لا ننخل له طعاماً... فرجع سويد إلى الإمام ثانية وذكر قصته مع فضة، فتبين أن الامام عليه السلام قد تعلم هذا الأسلوب من النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم... ثم تذكر عظمة النبي قائلاً: بأبي وأمي من لم ينخل له طعام".
فهاهي مدرسة اهل البيت مثال في التوازن بين الغذاء الروحي والجسدي فلا يطغى احدهما على الآخر فتعيش البشرية في سعادة أبدية.
اضافةتعليق
التعليقات