نصطدم بذواتنا كثيراً، يختل توازننا، ولكننا بطريقة أو بأخرى نحافظ على مظهر متماسك وبعض العزم الكافي لقطع طرق الحياة المختلفة.
نبتعد عن الآخرين معتقدين أنهم سبب شقائنا، ونلومهم على أخطائنا، والأولى لوم أنفسنا، فالآخرون قادرون على إلقاء اللوم علينا في أفعالهم، وقد يكونون متأثرين بما يصدر عنا من أفعال هي نتيجة ذلك الاصطدام الداخلي الأولى، تلك الزوبعة التي لم نعالج آثارها المدمرة.
وبما أن الآخر كيان منفصل عنا، له خصائصه النفسية والوراثية الخاصة، وأفكاره التي اختارها لنفسه، ونحن لا نمتلك قدرة على التلاعب بمورثاته فنغير صفاته، ولا القدرة على تغيير أفكاره إلا بالقدر الذي يرتضيه لنفسه ويختار هو أن يقبل به.
لذا فالأجدر بالعاقل أن يعود لذاته فيهذبها، ويمعن في هذا العمل، ولا ينفك منشغلاً بذلك حتى ينقضي أجله، فلو عاد كل يوم إلى ذاته، وسكّن أفكاره، وسمع صوت عقله ورأى ما فيه من صراع وفوضى، لاستطاع نجدة نفسه من كثير من الغم، ولتجنب كثير من الإيذاء للآخرين ولنفسه، ولكان لحياته مسارات أفضل، ونعم بتلك الراحة التي ينشدها أينما حل وارتحل.
أما وأننا مشغولون بالآخرين كل الإنشغال، ففرص هنائنا آخذة بالتناقص، حتى عدنا نشبه كل شيء عدا أنفسنا، وصار جسدنا مأوى للآخرين الذين انهمكنا باصلاحهم، وعقلنا علقة طفيلية تتغذى على أحوال الآخرين دون أن يكون له كيانه المميز، بل يفقد القدرة مع مرور الوقت على تكوين الذات المتميزة، ويخشى حدوثها، أو الاقتراب مِن من قد يساعدوه في الوصول إليها، لأن طريق العودة إلى الذات أصبحت بعيدة وطويلة، وإن أياً ممن يحاول لفت انتباهنا إلى تلك المسافة يصبح كياناً مرعباً وبغيضاً يذكرنا بكل الجهد الذي علينا بذله، وكل الشجاعة التي علينا التحلي بها لخوض التحديات وإحداث التغيير.
وهكذا يصبح وجودنا خطأ يمشي برجلين، خطأ آخذ بالتفاقم، يرمي بظلاله على الآخرين، فيزيد من أخطائهم، فتزيد أخطاؤنا متأثرة بهم، ولا تتوقف هذه الدوامة عن النمو حتى تبتلع الجميع إن لم يتوقف الناس لمراجعة أنفسهم، والاعتراف بخطأهم دون العيش في سجن الندم ولوم الذات، والمضي قدماً متعلمين من هذه الأخطاء.
اضافةتعليق
التعليقات