سعياً لتطوير عمل المؤسسات النسوية ولإثرائها بمنهج أهل البيت القويم قامت مجموعة من المؤسسات الدينية والحوزات وثلة من الناشطات بزيارة سماحة السيد مرتضى الشيرازي (دام ظله) وذلك في كربلاء بتاريخ 17/12/2018م.
وابتدأ سماحته الحديث بالآية القرآنية: "قُلْ إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ". وبيّن أن هذه الآية من المعاجز في دلالاتها، ومحورا البحث في إطار هذه الآية الشريفة هما هذان العنوانان:
1- مرجعية الاختصارات، 2- إعادة توجيه البوصلة.
معجزة الاختصارات:
يقول سماحة السيد: الإنسان في الحياة يواجه الكثير من الأحداث والمواقف المتناقضة ويطالع الكثير من الكتب ذات الاتجاهات المختلفة ويسمع الكثير من المحاضرات والدروس ذات المستويات المختلفة والأولويات المتغايرة، وقد تضيع عليه الأهداف والأولويات والعبر في زحمة الحياة، ولذلك فإن الاختصارات السديدة إذا تبناها الإنسان كمنهج للحياة ستصلح كمرجعية لتسدد اتجاهه.
وإن الغرب تعلم من القرآن الكريم هذه المرجعية التي نسيناها نحن، فآية: ألم. تعتبر اختصاراً، واختزالاً، وأيضاً كهيعص، وهكذا، وهذه كلها لها فلسفة، فإذا أردتم أن تصلوا لأهدافكم من دون أن تنحرفوا يميناً وشمالاً فاتخذوا الاختصارات المحكمة منهجاً، وحتى في الدروس تستطيعون توظيفها أيضاً.
الشيخ البهائي وجد أن الناس ينسون أفعال الحج، كان نابغة ويعرف قيمة الاختصارات، فاختصر أفعال الحج ثم العمرة في أوائل حروف بيت من الشعر يقول فيه: (أطرّست) للعمرة أجعل نهج (أوو إرنحط رسطر مر لحج)..
فالعمرة: إحرام، طواف، ركعتا الطواف، السعي والتقصير.
والحج: إحرام، وقوف بعرفة، وقوف بالمشعر، إفاضة، رمي، نحر، حلق، طواف، ركعتا الطواف، سعي، طواف النساء، ركعتاه، مبيت بمنى، رمي، الخ، فمتى ما نسي الحاج يرجع إلى هذه الأبيات ليتذكر أفعال الحج.
هذه الاختصارات قد تكون بكلمة وقد تكون بحرف، تعطيكم مرجعية ثابتة كما يمكنها أن تمنحكم منهج حياة نهضوي، السيد الوالد رحمه الله جعل اختصارات لأفكاره الأساسية، من قبل: (توكل، توسل، تعقل). قد يكون بكلمة قد يكون بحرف، وهناك أيضاً: التاءات الخمسة وهي: (تقوى، تنظيم، تأسيس، تدريس، تأليف).
وهناك مثال آخر لطيف: مدراء الغرب وضعوا القاعدة الإدارية المعروفة واختصروها في: Swot.
وهي اختصار للكلمات الإنجليزية الأربع المعروفة: Strengths، eaknesses، Opportunities، Threats.
وترجمتها: نقاط القوة في المشروع، نقاط الضعف، الفرص، المخاطر أو التهديدات.
ولقد قمت بتطوير هذه القاعدة بعد أن حوّلتها إلى اللغة العربية كما حوّلتها إلى جملة ذات معنى عكس الاختصار الإنكليزي، ثم أضفت إليها حرفاً خامساً فأصبحت كلمتين مفيدتين في حد ذاتهما وهي: (قِف إمض). ومعناها: نقاط القوة، الفرص، المخاطر المستقبلية، نقاط الضعف الحالية، أما الألف وهي مهمة جداً فإنها ترمز إلى إدارة هذه العملية أو إدارة الوقت أو الإتقان في ذلك كله.
فإدارة هذه العملية هي أساسية وتعني انه كيف توازن بين نقاط الضعف ونقاط القوة والفرص والمخاطر، فإذا بالغتم في نقاط القوة أصابكم العجب، وإذا قلّلتم من شأن نقاط القوة أصابكم الاحباط والتشاؤم، فعليكم بإقامة التوازن بينها.
وهكذا في أي مشروع أو برنامج تبدأونه، على عقلكم أن يكون ممنهجاً على التدبر في هذه النقاط، فتديرون وتوازنون، وضعوا هذه الاختصارات منهجاً لحياتكم.
توجيه البوصلة:
وأضاف سماحته قائلاً: البوصلة تحدد لكم الاتجاه، تعيين القبلة مثلاً من أجل الصلاة، في البحر أو في الصحراء، وسوف تضيعون إذا لم تملكوا بوصلة، قد تكون على هيئة نجم، وقد تكون بوصلة مادية.
وقول أمير المؤمنين لكميل يعتبر بوصلة أيضاً: يَا كُمَيْلُ لَا تَأْخُذْ إِلَّا عَنَّا تَكُنْ مِنَّا. وذلك ان كثيراً من الناس يطالعون كتباً شرقية أو غربية وأجنبية، فقد يتأثرون بالأفكار المنحرفة، فلا بد من مرجعية هي القرآن الكريم والروايات الشريفة.
يجب أن يملك الشخص مرجعيات معرفية ليعرف الغث من السمين، فهناك أناس صالحون عادوا منحرفين من الغرب بعد أن تبنوا بعض النظريات الضالة..
فأولاً: يجب أن نملك بوصلة. وثانياً: نفس هذه البوصلة قد تحتاج أحياناً إلى إعادة توجيه، وهي مرحلة متقدمة عن الحصول على البوصلة.
على سبيل المثال شخص يريد الذهاب إلى مكة، سيحتاج إلى معرفة الطريق أولاً ثم عليه أن يعرف طريقة المضي أيضاً، بسيارة أو دابة، ثم انه يحتاج باستمرار إلى إعادة توجيه البوصلة من جديد كلما تقدم في الطرق المتشعبة.
ثم إنكم أنتم كمؤسسات نسوية ما هي أهدافكم؟ عليكم أن تحددوها وتضبطوا البوصلة باتجاهها: مثلاً: النهضة الشاملة للأمة، هداية العالم، إنقاذ الناس، هذه أهداف طولية، ولكن يجب أن ننظر إلى حركتنا هل تصب في هذا الاتجاه، ثم انها هل تصب بشكل جذري أو بشكل هامشي؟ وأيضاً علينا أن ندرس سرعة سيرنا وانه متى توصلني إلى الهدف، بعد كم سنة؟!
إن بلادنا الإسلامية بطبيعة الحال أكثرها متخلفة، والذين يحكمون العراق شيعة وسنة وأكراد، مسلمون عادة وأغلبهم لهم تاريخ ورسالة، مع ذلك نجد أن خدمات البلد متردية لماذا ووارد العراق من النفط أرقام هائلة، وهناك تقصير هائل في الخدمات: في الكهرباء، والماء وغيرهما، وفساد إداري ومالي غريب.. لماذا؟
ولقد بات الكثير من الناس يبتعدون عن الدين بسبب تصرفات البعض من الذين يسرقون ويرتشون، ولا يعملون للوطن.
عند تأملنا للتجربة العراقية، نتساءل: كم مسجداً، حسينيةً، مستشفىً، ودار أيتام، بنتها الحكومة؟! الأرقام متدنية بشكل رهيب هناك إذن خلل.. فمع ان البوصلة صحيحة، لكن هناك خطأ فيها بنفسها.. إن بعضهم تربى في الحوزات وجلس تحت المنابر.. لهم آباء وأمهات صالحون، لكن المخرجات لماذا هكذا؟ هذا يحتاج إلى بحث وتقييم للتجربة بموضوعية.
والغريب أنه لم تكتب كُتب عن تقييم التجربة العراقية أو غيرها، بما فيها من نقاط الضعف ونقاط القوة؟ مع أن المفروض كان كتابة مئات الكتب وألوف الدراسات عن ذلك لتكون مناراً للمستقبل وكي لا تتكرر التجربة المرة مرة أخرى.
ولقد سألنا الكثيرين عن السبب.. ولم نجد إجابة شافية!! إذن هناك مشكلة، هل البوصلة منحرفة أو القائمون عليها؟ ولماذا؟ ومع ذلك لا توجد كتب، أو بحوث..
إننا إذا انحرف أبننا أو ابنتنا لا سمح الله، فسنبحث بلا شك عن السبب أو الأسباب فقد تكون المدرسة أو الأصدقاء، أو... فلماذا لا نقوم بذات الشيء عندما تنهار بلداننا وتفشل حكوماتنا!
إن علينا أن نقارن التجربة العراقية بتجارب الدول الأخرى، لنتعرف على سبب نهضة اليابان مثلاً، بل يكفي ان نقارن حكومتنا بإندونيسيا، التي كانت بلداً متخلفاً ورغم انها تتكون من 17 ألف جزيرة و300 إثنية، وأكثر من 700 لغة، وقد تعاقبت الحكومات السيئة عليها، والتضخم بلغ أوجه لسنوات طويلة، ولكنها في عام 2004م جاءتها حكومة عاقلة، فأصبحت دولة متطورة، لديها تصدير، واقتصاد قوي رغم ظروفها الصعبة والكوارث الطبيعية، للأسف هذه المقارنات والدراسات والعِبر لا توجد لدينا. وقد فصّلنا الكلام عن ذلك في دروس في التفسير والتدبر فراجعوها.
وختم سماحة السيد قائلاً: أيتها الأخوات، ضعوا هذه النقاط نصب أعينكن دائماً، في حوزاتنا وجامعاتنا، وكما يقول أمير المؤمنين:
دواؤكَ فيكَ وما تشعرُ وداؤك منكَ وما تُبصرُ
وتحسب أنك جرْمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوى العالمُ الاكبرُ
إن الآية الكريمة التي افتتحنا الكلام بها تعيد توجيه البوصلة العامة في الحياة إذ إن الحياة والممات وغيرهما يجب أن تكون لله رب العالمين وحينئذٍ نكون سعداء في الدنيا قبل الآخرة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.
اضافةتعليق
التعليقات