تعد الأسرة نظام اجتماعي متكامل؛ لأنها الوسط الذي ينشأ فيه الطفل ويتلقى فيه المبادئ والقيم الاجتماعية والتوجيه والسلوك في المجتمع فهي مصدر الأخلاق والدعامة الأولى والإطار الذي يتلقى فيه الطفل دروس الحياة الاجتماعية ولكن الملاحظ اليوم هو أن معظم الأسر بصفة عامة تعرضت إلى العديد من المشاكل نتيجة التطورات والتغيرات الاجتماعية الحاصلة ويعد التفكك الأسري أحد أهم المشاكل التي تعاني منها جميع المجتمعات وأدى إلى حدوث التوتر والصراع داخل الأسر والتفكك الأسري أو التصدع الأسري هو حالة من الخلل الوظيفي نتيجة لخلافات أو تخلي أحد الوالدين عن الأدوار الأساسية المنوطة به، مما يؤدي إلى خلل وظيفي عام لعمل الأسرة ككل، والذي يعرف في المفاهيم الاجتماعية بالتفكك الأسري، ويشير إلى الفشل في الدور التربوي الرئيسي للأسرة حيث ينخفض مستوى مساهمتها في عملية التنشئة الاجتماعية، وفي بناء شخصية الفرد بصورة مستمرة وضبط سلوك الفرد وتوجيهه وفق متطلبات الحياة. فهو انهيار الوحدة الأسرية وانحلال بناء الأدوار الاجتماعية لأفراد الأسرة.
الأسرة المختلة هي عائلة يتواجد فيها النزاع، وسوء السلوك/التصرف، وغالباً ما يكون إهمال الأطفال أو سوء معاملتهم على وجه الخصوص من جانب الآباء مستمراً وبشكل منتظم، مما يؤدي إلى قيام أشخاص آخرين غيرهم بتلبية مثل هذه الاحتياجات.
ينمو الأطفال أحيانًا في هذه العائلات على أساس فهمهم أن هذا هو التسلسل الطبيعي للعائلات بشكل عام. والأسر التي تعاني خللاً وظيفيًا هي السبب الرئيسي لانتاج نوعين من الأشخاص البالغين غير الأصحاء، أحدهما عادة ما يكون مسيئًا بشكل علني، وقد يتأثر أيضًا بالإدمان، مثل تعاطي المخدرات أو الكحول، أو أحيانًا مرض عقلي غير معالج.
الآباء والأمهات الذين يعانون من اختلال وظيفي أحداً منهم تربى في عائلة مختلة وظيفياً وقد تأثر بها. في بعض الحالات، اساءة معاملة أحد الآباء (وهو في الغالب يكون القوة الأكبر في العائلة) لأطفاله أو إهمالهم، مع عدم اعتراض الوالد الآخر أو عدم قدرته على الاعتراض، يؤدي إلى تضليل الأطفال في الحكم واللوم على أي منهم.
أسباب التفكك الأُسري
لا بد من وجود أسباب حقيقية تؤدي إلى انتشار ظاهرة التفكك الأًسري، وقد جمعنا لكم أهم أسباب التفكك الأسري:
1- الأب الحاضر الغائب: هناك صورتان للأب الحاضر الغائب، الأولى هي صورة الأب المنهمك بالعمل الذي لا يجد وقتاً ليقضيه مع أسرته ولا يجد وقتاً ليقدم المعونة المعنوية أو المساعدة لزوجته، وأما الصورة الثانية فهي صورة الأب المهمل الذي يعتقد أن دوره ينتهي عند تأمين حاجات الأسرة المالية ويقضي وقته مع أصدقائه، وفي الحالتين يتسبب غياب الأب عن أسرته بهذه الصورة بمشاكل كثيرة.
2- الأم الحاضرة الغائبة: فالمرأة المنشغلة بعملها عن أسرتها، قد لا تمنح الزوج العناية بشؤونه الخاصة واحتياجاته. كذلك المرأة المنشغلة بكثرة لقاءات صديقاتها، متناسية دورها كزوجة وأم، وما يحتاجه زوجها وأطفالها منها من العناية والحب.
3- صراع الأدوار: وهو من أهم مسببات التفكك الأسري، حيث يتمثل بتنافس الزوج والزوجة ليحل أحدهما مكان الآخر.
4- وسائل الاتصال الحديثة: بطبيعة الحال فإن إدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو إدمان ألعاب الفيديو بات يتحكم بعلاقاتنا الأسرية بشكل كبير، فعلى الرغم من أهمية الإنترنت والتقنيات الحديثة في عالمنا إلا أن إساءة استخدام هذه التقنيات من شأنه أن يكون سبباً وجيهاً للتفكك الأسري.
6- الخدم: أصبحت الخادمة تحل محل الزوجة في كافة أمور المنزل، كالتنظيف والغسيل، وحتى الطبخ ورعاية الأطفال أحياناً، لنجد أن الزوج يرجع من عمله، فتستقبله الخادمة وتقدم له الطعام، وتحل الخادمة محل الأم في رعاية الأطفال، وتقديم الحنان والحب لهم، مما يتسبب في ظاهرة التفكك الأسري.
وكذلك أصبح السائق يحل محل الزوج أحياناً، فيقوم بخدمة توصيل الأم والأطفال إلى أي مكان، وهو المرافق لهم عوضاً عن الأب.
7- ضعف الوازع الديني ويعتبر هذا السبب هو أكثر الأسباب المؤدية للتفكك الأسري، فإذا كان الإيمان ضعيفاً عند الأهالي، يكون الوقوع في الخطيئة سهلاً، وبالتالي التعرض إلى العديد من المشكلات.
8- الوضع الاقتصادي للأسرة: يتسبب الوضع الاقتصادي للعائلة سواء بحالة الثراء أو الفقر في نشوب حالة من التفكك الأسري، فنجد الأغنياء ينشغلون بالمال عن أسرهم، وفي حالة الفقر نجد الأب غير قادر على توفير احتياجات أسرته، وقد يلجأ إلى طرق غير شرعية لتأمين حاجياتهم، مما يسبب التفكك الأسري.
الآثار السيئة للتفكك الأسري:
للتفكك الأسري آثار يصعب حصرها ولكننا سنحاول عرض أهمها فمن ذلك:
1ـ آثار التفكك على الأفراد:
أول ضحايا التفكك الأسري هم أفراد الأسرة المفككة فالزوج والزوجة يواجهان مشكلات كثيرة تترتب على تفكك أسرتهما فيصابان بالإحباط وخيبة الأمل وهبوط في عوامل التوافق والصحة النفسية والآثار الأكثر خطورة هي تلك المترتبة على أولاد الأسرة المتفككة خصوصا إن كانوا صغار السن فأول المشكلات التي تواجههم فقدان المأوى الذي كان يجمع شمل الأسرة وهنا سوف يحدث التشتت حيث يعيش الأولاد أو بعضهم مع أحد الوالدين والبعض الآخر مع الوالد الآخر.
2ـ آثار التفكك على علاقات الزوجين بالآخرين:
ينتج عن التفكك الأسري اضطرابات وتحلل في علاقات الزوجين بالآخرين خصوصاً الأقارب فإن كانت هناك علاقة قرابة بين أسرتي الزوجين فإنه غالباً وللأسف تتأثر سلبياً بما يحدث للزوجين فتحدث القطيعة بين الأسرتين.
3ـ آثار التفكك على نشر الانحراف:
يؤدي التفكك الأسري في بعض الأحيان إلى تهيئة الظروف لانحراف أفراد الأسرة خصوصاً الأولاد من البنين والبنات فعندما تتفكك الأسرة ويتشتت شملها ينتج عن ذلك شعور لدى أفرادها بعدم الأمان الاجتماعي وضعف القدرة لدى الفرد على مواجهة المشكلات.
4ـ آثار التفكك على قيم المجتمع وثقافته:
يسبب التفكك الأسري اختلاًلاً في كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان وسلوكيات أفراده مثل الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة ومساعدة المحتاج والوقوف معه في حالات الشدة وغيرها من القيم الايجابية المهمة في تماسك المجتمع واستمراره.
حلول التفكك الأسري
التفكك الأسري مرض من أمراض المجتمع، ولا بد من دواء شافٍ، وهنا نعرض لكم بعض الأساليب التي قد تكون مجدية في سبيل حل مشكلة التفكك الأسري:
1. على الأم والأب السعي الدائم لتقوية العلاقة بينهما، وحل مشكلاتهما بأسلوب راقٍ، بعيداً عن العنف والصراخ.
2. وجود الوالدين العاطفي والنفسي والروحي والجسدي بين الأبناء، وتخصيص وقت خاص؛ لمعرفة مشاكل الأبناء واهتماماتهم وحاجاتهم.
3. على الأهل أن يكونوا القدوة الحسنة لأبنائهم في كافة المجالات.
4. مراقبة الأبناء ومحاسبتهم عند الخطأ، وتقديم النصح اللازم لهم.
5. تقوية الوازع الديني والأخلاقي في نفوس الأبناء، وتربيتهم تربية صحيحة صالحة.
6. الاهتمام بالجانب العاطفي والنفسي للأبناء.
7. يقع على عاتق الدولة دور كبير في التوعية لأهمية الترابط الأسري والتربية الصحيحة من خلال الدورات المجانية والإعلانات والبرامج التلفزيونية.
8. كما يقع على الإعلام دور مهم أيضاً في تثقيف الأسرة والمجتمع من خلال البرامج التربوية والاجتماعية.
وختاما نقول: إن قوة المجتمع ونهضته من قوة الأسرة ومتانة العلاقة بين أفرادها. لأن التفكك الأسري يعطل الطاقات البشرية عن الإنتاج، ويدفعها إلى مجالات التخريب والتدمير ونشر الجريمة، وإشاعة الخوف بين الناس، وجعل العلاقات الاجتماعية بينهم ضعيفة، ولكي نعالج ظاهرة التفكك الأسري لابد من معالجة قضية أكبر وهي العنف الأسري والذي يشكل خطراً أكبر على الفرد ثم الأسرة فالمجتمع، وهذا يتطلب تدخل تشريعي رادع وتطبيق صارم للقوانين يضع حداً لكل شخص تكون ردة فعله عدوانية داخل الأسرة وخارجها، بالإضافة إلى توفير إجراءات الحماية والوقاية للمتضررين سواء من العنف الأسري أو التفكك الأسري، أيضا هناك حاجة إلى خطط تساهم في تنمية وتطوير الأسر والأطفال وقدرات الشباب، كلها أمور من شأنها أن تنتشل الأسرة من الضياع والحفاظ على المجتمع من الدمار والخراب الذي يهدده.
اضافةتعليق
التعليقات