في الحادي عشر من ذي القعدة عام 148 للهجرة، جاءت بشائر متلألئة لتهبط إلى الأرض من عوالم الغيب لتمنّ على أهل الأرض بنور مقدس من أنوار الإمامة الإلهية الساطعة يولد الإمام الرؤوف عليّ بن موسى الرضا (صلوات الله عليه) تجلّياً جديداً للخير والهدى وحقيقة التوحيد، وقائداً ربانياً منقذاً في عواصف التسلّط والهوى والإنكفاء، وإماماً أماناً هو الثامن من أئمّة أهل البيت الطاهرين المعصومين مبارك هو يوم مولده الشريف، ومباركة لسائرة الخلق هذهِ الهبة الإلهية الكبيرة، وفّقنا الله تعالى في الدنيا لزيارته، وأنالنا في الآخرة شفاعته، وتلك نعمة سابغة، وفوز كبير "وما يُلقّاها إلاّ الذين صبروا، وما يُلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم ".
إن الإمام الرضا (عليه السلام) أدّى شعيرة الجهاد، حيث جاهد بكلِّ جوانب الجهاد، الفكري، التربوي، والنفسي، والمالي حيثُ كانَ الإمام هو المربي في وسط أجواء كانت تسودها الرذائل الأخلاقية، كيف لا وقائد الدولة آنذاك المأمون، الذي أدمن الغناء والخمر، حتى وصل بهِ المقام إلى تخصيص مرتب للمغنين على حساب الفقراء في شعبه!.
فكان لهُ من الدور الكبير في تشذيب المجتمع حيثُ كانت الطبقة السياسية لم تستغنِ عن مشورة الإمام؛ لحكمتهُ وبصيرته. فكان مدرسة تفيض بالعطاء، وتشعّ بالعلم، وتلهم الأجيال أروع دروس الكمال البشري، فهذه الشخصية العظيمة كانت قدوة في الأخلاق الفاضلة والصفات النبيلة والخصال الكريمة ولا غرو في ذلك فمن الطبيعي أن يكون الإمام المنصوص عليه من قبل الله تعالى متّصفاً بصفات لا تتوفر عند أحد من الناس .
ومن الجدير بالذكر التطرق لبعض صفات الإمام الرضا (عليه السلام) الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها وزينتها، وقد تحدث عن زهدهِ محمد بن عباد حيث قال: "كان جلوس الرضا على حصيرة في الصيف، وعلى مسح -الكساء من الشعر- في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين ".
والتقى به سفيان الثوري -وكان الإمام قد لبس ثوباً من خز- فأنكر عليه ذلك وقال له: لو لبست ثوبا أدنى من هذا. فأخذ الإمام (عليه السلام) يده برفق، وأدخلها في كُمّه فإذا تحت ذلك الثوب مسح، ثم قال له:"يا سفيان! الخزّ للخلق، والمسح للحق".
وحينما تقلّد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة، ولم يقم لها أي وزن، ولم يرغب في أي موكب رسمي، حتى لقد كره مظاهر العظمة التي كان يقيمها الناس لملوكهم .
ولم يكن شيء في الدنيا أحبّ إلى الإمام الرضا (عليه السلام) من الإحسان إلى الناس والبر بالفقراء. وقد ذكرت بوادر كثيرة من جودهِ وإحسانه، وكان منها ما يلي:
أنفق جميع ما عندهُ على الفقراء، حينما كان في خراسان، وذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل، وقال لهُ: إنّ هذا لمغرم؛ فأجابهُ الإمام (عليه السلام): "بل هو المغنم لا تعدّنّ مغرماً ما ابتغيت بهِ أجراً وكرماً".
إنه ليس من المغرم في شيء صلة الفقراء والإحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى، وإنّما المغرم هو الإنفاق بغير وجه مشروع، كإنفاق الملوك والوزراء الأموال الطائلة على المغنّين والعابثين.
لقد كان الإمام أعلم أهل زمانه، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة، والفروع الفقهيّة .
اضافةتعليق
التعليقات