لربما لن يكون الإنسان الواعي لتغيرات الحياة مبالغاً لو تصور بأن جهل الأمة وتراجع القدرات هي بسبب الأجواء السلبية التي لا تساعد على ترويض الروح الأخلاقية والاجتماعية بين بني البلد الواحد.
فعادة تلتبس الأمور وتتعقد عند الإنسان البسيط الذي يجهل العمل الاجتماعي والسياسي الذي يحصل من حوله، نستطيع ان نقول بأن هنا تكمن الخطورة على المصنع الأخلاقي الذي من الممكن ان يأخذ منحىً آخر.
والخطوة المهمة التي تتبنى فكرة تثبيت المبادئ السامية بين الناس هي الطريقة التي يتم من خلالها طرح المبادئ وترسيخ جذورها في عقل الإنسان وقلبه، ثم توفير البيئة الملائمة التي ستساهم في نموها وتقوية جذورها، فبالتالي يصبح من الصعب جداً انتزاع المبادئ او محاولة قلعها.
وهنالك طريقتان لهما تأثير قوي جداً على تثبيت المبادئ في الإنسان، الأولى هي السخرية او الكوميديا والثانية هي التراجيدية الحزينة.
فالدمعة والضحكة يعتبران عاملين سحريين يتركان تأثيراً قوياً جداً على الجمهور، وفكرة استغلال هذين العاملين لترسيخ المبادئ الإنسانية يعد امراً مهما وضرورياً جداً لرفعة المجتمع.
وشهرة برنامج "البشير شو" الذي نلاحظه بين اوساط المجتمع العراقي لم تأتِ عبثاً، فقد استطاع هذا البرنامج تحليل الواقع وتقديمه بطريقة ساخرة، حتى وان كان الواقع هو سلبي ولكن الطريقة التي تُقدم من خلالها البرنامج تجبر المشاهد على المتابعة والجلوس امام التلفاز عن مدة لا تقل عن خمسين دقيقة متواصلة - متغاضين عن ماهية الأفكار التي يطرحها البرنامج -!.
ربما البعض يشاهد بعض التناقض في فكرة تقديم الاخبار المأساوية ومناقشة الوجع بطريقة ساخرة، ولكن الضحكة تعتبر بمثابة العسل الذي نخلطه مع الدواء لنستسيغ الطعم المر.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ماذا لو استخدمنا هذا الأسلوب في تقديم الامور الاجتماعية والأخلاقية الى الناس، وطرحنا المبادئ والقيم بطريقة يستجيب اليها الإنسان أكثر من الطرق الاعتيادية؟، بالطبع ستصبح لغة التخاطب أسهل وأسرع في الوصول الى الناس، وسيترك ذلك تأثيراً عميقاً في نفوسهم.
وهذا هو الحال مع القضايا الأخلاقية والدينية وبالأخص قضية عاشوراء التي تتناول أفكار وقيم إنسانية من شأنها الارتقاء بواقع الأمة، ومن هنا يجب التركيز أكثر حول ماهية المصيبة التي حصلت في كربلاء، والغاية التي خرج من أجلها الامام الحسين (ع) وتقديم الأفكار السليمة والمبادئ القيمة بطريقة تراجيدية حزينة تؤثر على المشاعر والفطرة الانسانية من جهة وتساعد على ترويض النفس نحو الصلاح والخير من جهة أخرى.
ومن جانب آخر يمكن تطبيق ذلك على المنابر التعليمية ودور العلم، فدراسة نفسية الطالب تعتبر في غاية الأهمية مقارنة مع مستوى استيعابه وفهمه للمادة، ومع الأسف هنالك مواد تعليمية تلقن بطريقة خاطئة بحيث تشعر الطالب بالملل وينساها بمجرد اجتيازه للامتحان، فتقتصر غاية التعليم على النجاح لا على الفهم والتطور.
اذن من الضروري الالتفات الى نقطة تغيير أساليب التعليم في المدارس والجامعات، والبحث عن طرق عصرية تلائم نفسية الإنسان الذي يعيش ضمن ظروف الألفية.
كما ان الإعلام التلفزيوني والميداني يلعبان دوراً مهماً ومميزاً في تقديم المبادئ والرسائل الهادفة الى العالم، اذن في هذه الحالة نحتاج تركيزاً اقوى على الطرق التي يتم من خلالها توجيه المجتمع وهدايته الى سبل النجاة، وهذه الطرق تحتاج الى أخصائيين نفسيين في الواقع الإعلامي يحللون نفسية الانسان ويكتشفون الأساليب العصرية التي تتلاءم مع مزاجيات المواطن وتؤثر على فطرة الإنسان السليمة وتحرك عنده نزعة الخير وتقوده نحو الصلاح.
وعلى وفقه يتم صناعة البرامج التي تهدف الى تقديم الرسالة الإنسانية بطريقة إنسانية مؤثرة بحيث تحرك النزعة الإنسانية وتصنع للفرد الأرضية الصالحة لزراعة الأفكار الإيجابية والداعمة الى السلام.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2017-11-15
اتصور على الكاتبة ان تصحح تصوراتها