وأنا في سطوح الحزن أنشر همومي المبللة على حبال القدر، أتهجد مع الله عن هذا الألم الذي يسكن روحي والسواد الذي يملأ داخلي، أدمدم مع نفسي بصوت خافت: ألم تكفِ صلواتي أن ترفع عني هذا الهمّ، ولا حتى صيامي شفع لي بالسعادة؟.
ليشتت فكري طرقة باب صديقي السماوي الذي جاء ليطمئن على صديقه الحزين القابع في وحل الوحدة والكآبة ليقول بصوت ضاحك:
"ماذا تفعل بنفسك يا صديقي البائس؟ حتى المؤمن كل اربعين يومًا يحزن مرة واحدة، ما بال الحزن يدق بابك في السنة ٣٦٥ مرة؟".
فجأة نظر الى سجادة صلاتي ومسبحتي الترابية ورفع بصره الى السماء، ليكمل كلامه واضعا يده على كتفي:
ليس من الإيمان ان تبدو بهذه الحالة الرثة من الحزن والكآبة أيها المؤمن ليس هذا عدل السماء يا صديقي.
إذا جلس الحزن في قلبك اكثر من مرة خلال اربعين يوم فاعلم ان هنالك خللا ما، سواء في دينك او دنياك.
ليس من الصحيح أن يلتصق الحزن والألم بالعبد المؤمن. ليس صحيح أن نتصور بأن المؤمن مبتلى دائما بالمشاكل والهموم والعذابات غير المتناهية!
الأمر ليس كذلك ابدًا، ربما تكون مريضا؟، لماذا لا تحاول أن تعالج نفسك؟ هل فكرت في زيارة طبيب؟
ربما تعاني روحك من مرض ما... ألم تسمع بمرض الروح؟ إنها تمرض كما يمرض الجسد يا صاحبي، وتحتاج إلى العلاج كي تشفى..
"انحراف الجسد المرض، واستقامته العافية، وانحراف الروح: البخل والجبن وما إليها من الصفات، واستقامته الكرم والشجاعة وما إليها.
وكما أنّ بدن الإنسان لا يقوم إلا بالوقود، من أكل وشرب وهواء وضوء... كذلك روح الإنسان لا تقوم، إلا بعلم وعدل، ومروءة وفضيلة، وكما أنّ المريض يحتاج إلى الطبيب الجسماني وإلا هلك. كذلك المريض النفسي يحتاج إلى الطبيب الروحاني، وإلا هلك.
و(الأخلاق) إنّما وضعت لإصلاح الروح، كما إن (الطب) إنما وضع لإصلاح الجسم. فعلينا إذاً أن نزوّد أنفسنا بالوقود الخلقي، كما نزوّد أجسامنا بالوقود البدني، وعلينا أن نعالج أرواحنا المريضة، كما علينا أن نعالج أجسامنا المريضة." (اية الله العظمى سيد محمد الشيرازي "قدس سره" / الفضيلة الإسلامية).
أحيانا ومن باب الصدفة نرمي بأنفسنا في وحل المشاكل والألم ونعيش على هامش الحياة ثم نقول بأنها إرادة الله، لا يا حبيبي إنها ليست إرادة الله بل إرادة اختياراتك.
الله يقول ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، ونحن نرمي بقلوبنا وعقولنا في قعر الجحيم ثم نقول أنها مشيئة الله! إنها مشيئة غباءنا، الله لا يريد أن نكون مازوشيين، ونعيش تحت وطأة الحزن والمشكلة، ونقنع أنفسنا بالصبر ونبقى تحت الركام ونقول بأن الله سيجزي الصابرين أجرهم، في هذا الموطن لا ينفع الصبر!، قم يا أخي، قم، الله لا يريدك أن ترمي نفسك هكذا وتقول أتراني يا الله كم أنا صابر على هذا الألم؟.
بالله عليك قم يا عزيزي قبل أن تضحك عليك سكان السماوات بفعلتك هذه..
تريد أن تثبت نفسك؟ أثبتها في المواقف الصحيحة، في تلك المواقف التي يختارها الله لك، الله يعلم بأن في إمكانك أن تتحمل هذا الألم، ولكنه يعلم بأنه لو ابتلاك "هو" بمرض أو بفقد عزيز لن تتحمل، وستضعف.
في هذه المواقف يريدك الله منك أن تثبت نفسك! في المواقف التي يختارها هو لك وليس من تختارها أنت لنفسك!
تلك المواقف التي تأتي على حين غفلة، دون سابق إنذار ولا موعد! هناك أثبِت نفسك لو كان إيمانك وصبرك لله.
فالروح تحتاج إلى العلاج كي تتعافى من مرضها، وعلاجها هو التهذيب والتزكية، عندما تزكي الروح من دنس الذنوب ومكاره الأفعال ستغدو صافية كالماء وفي شدة عافيتها ووهجها، وبذلك سيزول عنها الحزن والهم حتى وإن حاطتها المشاكل من أربع جهات، فالعبد المؤمن مبتلى، لأنه سيواجه ابتلاءه بصبر وثبات، وروحه الطاهرة الزكية ستمنحه السكينة وبهجة الايمان برغم الصعاب والهموم، وسيقاوم تقلبات الحياة بإيمان وقوة..
إذن عالج روحك المتعبة، وقوِ بنيتك الروحية بسد نقائصها، وارتفع بصفاتك في العلم والعمل، وواظب على العبادات كي تتعافى من هذا الضعف وتغدو روحك مشرقة رغم الهموم وبلاءات الزمان القوية والثابتة، وتذكر جيدا بأن "المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان" الامام الكاظم (عليه السلام).
اضافةتعليق
التعليقات