في القرن الماضي كنّا نسمع عن القصص والروايات التي حصلت في الحرب العالمية الأولى والثانية، ولانصدقها ونتوقع أن للقصة نصيب كبير من خيال الكاتب وفي عصر مغول الثاني (داعش) حدثني أحدهم عن قصته في سجون داعش.
الشاب خيري عزيز السنجار؛ متحدثاً بكل قوة وابتسامة كأنه يروي لي قصته ويخفي وجعه بإبتسامة: كانت الحياة طبيعية، وعند دخول عصابات داعش الإجرامية الى المدينة توقفت عجلة الحياة، سواد اجتاح الأرض بوحشية، وكل شيء تغير فجأة، وتعطلت الحياة...
وفي أحد الأيام من بعد احتلال داعش لمدينتي كنت اجلس في البيت مع أهلي والأطفال مثل كل يوم، قامت عصابات داعش الإجرامية بمداهمة منزلي بأكثر من عشرين سيارة في ذلك اليوم المشؤوم وقاموا بربط ايدينا وعصبوا اعيننا، اما امي واطفال اخوتي اتذكر حينها قام سيف ابن اخي عمره 10 سنوات بضرب الدواعش بالحجارة، وانا اسمع صرخات الاطفال ودعاء وبكاء امي تتوسل بهم، وهي تقول: لا تأذوا ابنائي.
حينها اقتادونا الى جهة مجهولة وفي الطريق يموهون ويقولون لنا سنقتلكم، انزلونا في منتصف الطريق ليقتلونا، قال لنا اخي بشار تشهدوا يا اخوتي هذه النهاية، تذكرت امي وبكيت بحرقة ليس خوفا علي ولا لأني اخاف الموت لكن بكيت على امي التي بقيت تبكي وتدعوا الله طوال اليوم، ثم قاموا بنقلنا مرة اخرة الى مكان ثاني، اذ انهم يستعملون اسلوب الترهيب بشراسة وعدوانية، ثم وصلنا الى مكان مجهول قبل غروب الشمس، وانزلونا معصوبي الأعين ومكتوفي الأيدي وقاموا بضربنا وادخَلونا في السجن (المحجر).
كل واحد في زنزانة مظلمة، معصوب العينين، وكنت اسمع بكاء النساء والأطفال من الأرجاء، حل علينا المساء بكل قسوة، فكرت بأمي كيف يكون حالها الان، وكان هنالك ثقب صغير من الزنزانة (تقريباً 5سم) فقط للتهوية، لمحت القمر منه، كان نصف قمر لم يكتمل بعد، بقيت انظر اليه وانا اعلم سوف يختفي بعد دقيقة لضيق الفتحة واختفى بالفعل، ثم استسلمت وجلست في مطرحي، كان في الزنزانة اسماء وذكريات مسجونين قبلي وعرفت اننا في (قاعدة القيارة)، احدى الذكريات مكتوب فيها: وداعا يا قاعدة القيارة.
بعد اسبوع سأكمل حكمي واخرج للحرية، بكيت بحرقة وقلت مع نفسي كم انا محظوظ، سأتخلص من العذاب فهنا لا يوجد فراش، ولا حتى ماء كافي، في أحد الايام رأيت نورا في زنزانتي عرفت حينها اننا في صباح، رأيت نملة تمارس حياتها بشكل طبيعي، من شدة يأسي من الحياة لا اعرف ماذا افعل جلست اراقب تلك النملة ساعتين متواصلتين دون ملل، تمنيت لو اكون مكان تلك النملة، ذلك الكائن الصغير الذي لاحول ولاقوة له اليوم تمنيت أن أكون بمكانها كنت اتجرع السم وانا افكر بأمي وحالها كيف هي من بعدي وبعد اخوتي، هل تتحمل تلك الصدمات ان جاءها خبر استشهادنا؟، لا اخاف من الموت بقدر خوفي على امي من بعدنا.
بعد ايام قاموا بنقلي في سيارة (كوستر) ومعي ايضا مساجين معصوبي الأعين، لا نعرف إلى اين مصيرنا، للإعدام ام الافراج.. وبعد فترة زمنية افرجوا عنا في القيارة، سألتهم اين اخوتي قالوا لي اذهب ولا تتكلم ماذا رأيت واين كنت ولا تسأل عن اخوتك.
حينها كنت حافي القدمين ولم اشرب الشاي والسجائر لفترة طويلة ولم اذق طعاماً بشرياً، طرقت باب صاحب محل وقلت له انا كنت مسجون واريد الإتصال بأهلي، واتصلت واعطاني سكائر ووصلت بيتي والتقيت بأمي وكانت الفرحة عارمة، الكل في انتظارنا ولكن لم تكتمل الفرحة بعدها بأيام قررت ان اسافر واخرج من الموصل لكي اعمل وأُساعد أهلي وعوائل اخوتي الاربعة المفقودين.
وودعت امي وحملت حقيبتي مع بكاء وخطوات متعثرة قاصدا كركوك بهوية غير هويتي وغيرت ملامحي وعبرت (40 سيطرة) للدواعش من الموصل الى كركوك وبقيت بفندق وبعدها دخلت الى اربيل وبعدها تخفيت عن الانظار لمدة سنتين ونصف، وانا اعمل لأرسل المال الى امي وعندما بدأت معركة الموصل تطوعت في الحشد للانتقام من داعش وشاركت بالمعركة والتقيت بأمي بعد فراق سنتين ونصف وكانت لازالت تنتظرني وتنتظر اخوتي الاربعة الذين لم يعودوا حتى هذا اليوم.
بقدر ما تركت قصة ذلك الشاب في رأسي من صداع، لازلتُ أتساءل: هل من يعيش بيننا وحوش أم بشر؟ أي وطن هذا يهون عليه قهر أحبته؟ وأنا أقرأ، كنتُ بين سطر وسطر أردّد: يا الله، ساعة أخرى في اليوم ليست للحياة وليست للموت فقط لأعرف ما الفرق بينهما!، وددتُ لو ربطت قطعةَ قماش حول رأس كوكبنا، لتزولَ أوجاع من فيه، نعم، هذا ما تفعله بنا نقرات الوجع، كلما عطسنا العجز الى داخلنا!.
إنها الحياة صراعاً قاسياً بين الذئاب، فما دورنا يا ترى نحن الكتّاب؟ مؤكد أنه بين زوايا الألم وفي الدموع، وأنا لم أجد جواباً شافياً غير هذا! " يااااه" كم نزفت من دموع واحترقت، أحتاج بجنون من يُفرغ ذاكرتي ممّا ترسب بها من بعد انتهائي من قصته، أو ربما أحتاج أن أكتنزه فيها لأواجه به مافي هذا العالم من بشاعة.!، ألا يوحي كل ماقرأته بأن العالم مشنقة؟، مايعيشه السجين من أحداث قاسية وأليمة.
مرتدة انا عن بشاعه العالم، وعن ازمات الثقة، عن الذي مات غرقا والذي يتنفس وجعاً، عن صرخات الخيم ليلاً، وعن موت الاطفال برداً، عن المشرد ليلاً بلا مأوى، وعن استعبادكم للمبادئ والحرية، عن قلمي الذي يكتب بلا جدوى، وعن ضمور الإنسانية..
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2017-02-19
احسنتم وفقكم الله لكل خير