انعدام غيرة الرجل على زوجته من أعظم المشاكل الفتاكة التي يمر بها مجتمعنا خلال هذه الآونة، فنرى أشباه الرجال ازدادوا بشكل عجيب، ومن ليس له غيرة على زوجته أو ابنته أو عرضه بكل الأحوال يطلق عليه (الديوث)، فهذا المصطلح يستخدم من ايام النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ثلاثٌ لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث).
الديوث هو الذي لا يغار على زوجته وعن النبي (صلى الله عليه وآله): «أَيُّمَا رَجُلٍ تَتَزَيَّنُ امْرَأَتُهُ وَ تَخْرُجُ مِنْ بَابِ دَارِهَا فَهُوَ دَيُّوثٌ وَ لَا يَأْثَمُ مَنْ يُسَمِّيهِ دَيُّوثاً وَ الْمَرْأَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَابِ دَارِهَا مُتَزَيِّنَةً مُتَعَطِّرَةً وَ الزَّوْجُ بِذَلِكَ رَاضٍ يُبْنَى لِزَوْجِهَا بِكُلِّ قَدَمٍ بَيْتٌ فِي النَّار»، فإن الرجل عديم الغيرة على حرمه ومحارمه فهو ديوث وما أكثر انتشار هذه الظاهرة حالياً فالبعض كانت زوجته أو اخته أو ابنته محجبة خلعت حجابها وتزينت وارتدت الثياب المخصرة أو وضعت خرقة على شعرها وملابسها توضح جميع تفاصيل جسدها أمام الأجانب أي خادشه للحياء، أو ارتدت عباءة وكل وجهها مرسوم منحوت بالمكياج بحجة التطور والحضارة وما هي إلا في غاية البشاعة بصراحة.
وكلنا يعلم أن الحجاب ما لا خف ولا شف وأنه يكون حاجباً يستر المرأة عمن حولها وللعباءة وقارها وكينونتها ويجب أن تصان حرمتها وتحفظ هيبتها، وما تلك الظواهر إلا انحداراً للحضارة، ومن المؤسِف أن نرى تلك الصور بانتشارٍ فضيع حتى بالأماكن المقدسة ككربلاء والنجف، وكلنا نعلم أن هذه الأماكن لها قدسيتها وحتى من لم ترتدي الحجاب احتراما لحرمة المقدسات تتحجب، لكن الوضع شيئاً فشيئاً يزداد سوءاً، فاصبح الرجل يتباهى بجمال زوجته وجسدها الفاتن، في حين أوصاه الله ورسوله بأن يكون ستراً حصيناً لحرمه، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)، وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ...}. بل لم يقتصر النهي عن إظهار الزينة للأجانب فحسب، بل اعتنى حتى بتفاصيل العفة والستر، فنهى الله عز وجل أن لا تضرب النساء بالأرجل لأجل أن لا تُعلم الزينة التي قد أخفينها وسترنها فقال تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}، وحصر زينة المرأة لزوجها ومحارمها فقط، ومما علينا أن لا ننساه أن إمام زماننا في اطلاع تام على أعمالنا وسرائرنا، ولا يتحمل قلبه الشريف بأن نخدشه بعدم حيائنا وتمادينا بل علينا التذكر والإرشاد لأنفسنا ولغيرنا فذكر إن نفعت الذكرى.
ليس هذا فحسب بل ضرب لنا الرسول الكريم أسمى آيات الاقتداء بزوجته خديجة وابنته الزهراء (عليهما السلام) وحفيدته زينب الكبرى (سلام الله عليها)، التي مع كل ما مرَّ عليها بقت محافظة على عفتها وحجابها، وكل أهل بيت النبوة على هذا المسار العظيم، وكانت صورة عظيمة من صور الغيرة في معركة كربلاء هي غيرة أبا الفضل العباس (عليه السلام) على أخته عقيلة الهاشميين، وأنه كان محافظاً حتى على ظلها أو خيالها من الظهور أمام الأجانب، فهكذا كانت القدوة المبجلة لنا من قبل أهل بيت النبوة (صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين).
فالإسلام دين السلام، ولا يريد للمرأة سوى الهيبة والإعتزاز والإحترام، ولا يكون ذلك الا بالاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بسيرهم العطرة، ومنهجهم القويم، فغيرة الرجل تقيه عواقب الأمور الوخيمة، الغِيْرَة، من الفضائل الأخلاقية التي تدفع الإنسان للدفاع عن محارمه، ونواميسه ودينه، ومذهبه، وماله، ووطنه، وقد وردت صفة الغيور في الروايات الشريفة نسبتها لله تعالى فعن الكافي الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: )إن الله تبارك وتعالى غيور يحب كل غيور ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها)، ومعنى أن الله تعالى غيور أي يحب الإنسان الغيور ولا يرضى الفاحشة من عباده، غيور: صيغة مبالغة من غارَ يغار والغيور هو شديد الغَيْرة أو الحميَّة، وتقول رجل غَيُور وامرأة غَيُور، وغَيُورٌ عَلَى زَوْجَتِهِ: مَنْ يَغَارُ وغَيُورٌ عَلَى وَطَنِهِ: مَنْ يَشْعُرُ بِالْحَمِيَّةِ وَالنَّخْوَةِ نَحْوَ وَطَنِهِ.
وهنا نقف وقفة اجلال لكل فتاة أو امرأة صانت عفتها وشرفها وقداستها واحصنت حجابها الروحي والمعنوي ثم الظاهري وتزينت بالعفاف والرضا من كل وليجة، وتسلحت بسلاح الايمان والتقوى، وكل ذلك بقناعة تامة منها، وليس بإجبار، ليظهر مكنونها الروحي بحب الله تعالى، والاقتداء بأهل بيته (عليهم السلام)، وانتاج جيل واعٍ يميز بين الحلال والحرام ويراعي حرمات الله.
فالدنيا دار فناء وبلاء وهي محل غرور للعباد، فبخ بخ لمن التفتت لتلك الالتفاتة وحاربت الطامعين بسترها، واخدشتهم بحيائها، وقاتلتهم بحبها لله والسير بمنهجه، لحيازة مكارمه وفضائله ورضاه، وبذلك تكون محل فخر واعتزاز لزوجها وأولادها ووالديها، وبالتالي يكون أثرها خير أثر، وسيرتها عطرة بعد رحيلها من هذه الدنيا الفانية ويجزيها الله خير جزاء المحسنين، فإنه تعالى لا يخلف الميعاد.
اضافةتعليق
التعليقات