مشكلة بطانة الرحم المهاجرة من المشكلات الصحية الشائعة بين النساء والفتيات في العالم، ووفق منظمة الصحة العالمية، قد يتم تشخيص هذه المشكلة بصعوبة بسبب تأخر أعراضها وتشابهها مع أمراض كثيرة.
على الرغم من أن العلامة الأولى للإصابة ببطانة الرحم المهاجرة هي الألم في الحوض أو اثناء الدورة الشهرية، إلا أن أعراضا كثيرة قد لا تظهر بوضوح إلا بشكل متأخر مما يؤخر التشخيص والعلاج لهذه الحالة.
وبطانة الرحم المهاجرة تصيب ملايين النساء والفتيات في العالم ممن هن في سن الخصوبة وقد ترتبط بمشكلات أخرى، أو تسبب تأخر الحمل لدى السيدات.
لا يعرف تحديدا العوامل التي تؤدي لهذه المشكلة الصحية وقد ساد الاعتقاد أن التغييرات الهرمونية يمكن أن تزيد من احتمالية الإصابة.
ووفق أطباء، قد يكون تشخيص بطانة الرحم المهاجرة صعبا لدى البعض، إذ أن أعراضها تتشابه مع أعراض أخرى تمر بها المرأة خلال أيام الدورة الشهرية.
وعقب التشخيص الصحيح، يتم اختيار الطريقة العلاجية المناسبة لكل حالة، وطبقا للهدف المراد تحقيقه، إما بهدف تخفيف الألم أو لمعالجة تأخر الحمل أو لخفض الآثار السلبية والمضاعفات الخطرة الناجمة عن بطانة الرحم المهاجرة واحتمالات تأثيرها على الأعضاء الداخلية المحيطة بها.
وقال استشاري الجراحة النسائية والتوليد وعلاج تأخر الحمل، ماجد الهدهد:
البطانة هي الخلايا التي تبطن تجويف الرحم من الداخل.
يحصل الاضطراب حين تهاجر تلك الخلايا لتذهب إلى مناطق أخرى في الحوض، فربما تصيب المبايض أو قناة فالوب، أو الأنسجة المحيطة كالأمعاء والمثانة.
آليات حصول هذا المرض ما تزال مجهولة حتى الآن.
ثمة تفسيرات تربط هذا المرض بالتفاعلات التي تقع خلال الدورة الشهرية.
من الطبيعي أن تكون الدورة الشهرية مؤلمة في بداية البلوغ، لكن في حال استمر الأمر لسنوات، فصارت مصحوبة دائمة بآلام، أو كان ثمة اضطرار للذهاب إلى الطبيب، فإن ذلك قد يكون مؤشرا على المرض.
تأخر الإنجاب قد ينجم أيضا عن هذا المرض، وبالتالي، فإن من يعانيه، يجدر بهن أن يضعن هذا المرض في الحسبان.
المرض يعتبر حميدا، لكنه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة في حال لم يجر الانتباه إليه.
العلاج يكون مستمرا وعلى مدى طويل، ما دامت هناك دورة شهرية، لكن الإيجابي في الوقت الراهن هو أن العلاجات تؤدي إلى أعراض جانبية أقل. حسب سكاي نيوز
بطانة الرحم المهاجرة.. لماذا يتأخر تشخيص النساء بها؟
في عمر 13 عاما، اختبرت مي محمود دورتها الشهرية الأولى، وعانت خلالها من آلام كبيرة، ومع كل دورة شهرية جديدة يزداد الألم سوءا، ويجده من يحيطون بها ألما طبيعيا لا بد أن تختبره كل فتاة، قبل أن تكتشف إصابتها ببطانة الرحم المهاجرة.
وتؤثر التغيرات الهرمونية خلال الدورة الشهرية على الأنسجة الشبيهة ببطانة الرحم في غير مكانها، مما يتسبب في التهاب المنطقة وألمها، لأن تلك الأنسجة تنمو وتتحلل بالضبط كما يحدث في أنسجة بطانة الرحم، لكن بمرور الوقت لا تجد تلك الأنسجة التي تحللت مكانا تذهب إليه وتصبح محاصرة داخل الحوض؛ مما قد يسبب التصاقات في أنسجة أعضاء الحوض، ويؤدي ذلك إلى ألم شديد يتكرر أثناء الدورة الشهرية، وتعود الأنسجة للنمو كل مرة.
على عكس الأعراض الشائعة لبطانة الرحم المهاجرة -التي تبدأ من ألم الحوض والتشنج قبل فترة الطمث الذي يستمر عدة أيام مصاحبا بنزيف مفرط وعدم انتظام مواعيد الدورة الشهرية- ظلت مي 11 عاما تعاني من ألم كبير وقيء في أول أيام الدورة الشهرية فقط، مع انتظام دورتها الشهرية كل 28 يوما ونزيف معتدل.
وفي عام 2014، حين أصبحت في عمر 26 عاما، بدأت أعراض المرض تزداد حدة، وبدأت تشعر بألم في جانبها الأيسر يستمر أسبوعين بعد انتهاء فترة الحيض مع إمساك مزمن، وهي إحدى الأعراض الشائعة التي تذكرها "مايوكلينيك" (Mayoclinic)، وتشمل أيضا:
فترات طمث مؤلمة، وقد تشعر الفتاة بآلام أسفل الظهر وفي البطن أيضا.
الألم أثناء التبرز أو التبول خلال فترة الطمث.
النزيف المفرط.
العقم، وفي بعض الأحيان يشخّص الانتباذ البطاني الرحمي لأول مرة لدى النساء الباحثات عن علاج للعقم.
الشعور بالتعب أو الإسهال أو الإمساك أو الانتفاخ أو الغثيان، خاصة أثناء دورات الحيض.
كيفية التشخيص
بعد عامين من الألم الجديد، ومع وصول مي 28 عاما وزيارات متعددة للأطباء، سمعت أنها ربما تكون مصابة بـ"بطانة الرحم المهاجرة".
تراوح تشخيص الأطباء بعد الفحص الطبي من قرحة في الأمعاء إلى جرثومة في المعدة أو قولون عصبي مع وصفات طبية وأدوية للعلاج، وفي عام 2016 صرخت مي من ألم جديد أصاب جانبها الأيمن تلك المرة، ونقلت إلى الطوارئ.
بعد إجراء الأشعة والتحليلات، وجد الأطباء كيسا على المبيض الأيمن في وضع غير طبيعي "مقلوب"، مع وجود تضخم في الحالب والكلية اليسرى. وتروي مي للجزيرة نت أن طبيب الباطنة قال لها إنها ربما تكون مصابة ببطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis)، وقالت "كانت تلك أول مرة أسمع فيها عن ذلك المرض".
بدأت مي رحلة التشخيص في مصر، وزارت أكثر من 10 أطباء في تخصصات النساء وأمراض الخصوبة، وقالت لم يقتنع أي طبيب بتشخيص طبيب الباطنة الذي تحدق عن بطانة الرحم المهاجرة، وكان الأكثر إيلاما لها كما تقول "بعد فترة قال الأطباء لي ليس بك شيء، أنت تعانين من تعب أعصاب، واكتشفت لاحقا أن الانتباذ البطاني لا يظهر في الأشعة أو الرنين، والمنظار فقط هو الذي يثبت وجود ذلك المرض، خاصة في مراحله الأولى".
تشمل الاختبارات لفحص الانتباذ البطاني الرحمي عدة طرق وفقا لموقع "إيميديسين ميدسكيب" (Emedicine.medscape):
فحص الحوض: يجري الطبيب يدويا فحصا طبيا لمنطقة الحوض بحثا عن الأكياس أو الندوب خلف الرحم.
تصوير فوق صوتي (ألتراساوند): يستخدم هذا الاختبار موجات صوتية عالية التردد لإنتاج صور للجسم من الداخل. ولن يجزم هذا الاختبار بشكل قاطع بالإصابة بالانتباذ البطاني الرحمي.
التصوير بالرنين المغناطيسي: فحص يستخدم المجال المغناطيسي وموجات الراديو لإنشاء صور مفصلة للأعضاء والأنسجة داخل الجسد. وفي بعض السيدات، يساعد التصوير بالرنين المغناطيسي على إعطاء معلومات عن موضع الإصابة وحجمها.
تنظير البطن: وهو الطريقة الوحيدة الموثوقة لتشخيص الانتباذ البطاني الرحمي. وهو عبارة عن عملية جراحية، إذ يحدث الجراح جرحا صغيرا من السرة وفتحات صغيرة بجانبها، ويتم إدخال منظار البطن عبر الشق، مما يسمح للطبيب بمشاهدة الجزء الداخلي من البطن واستئصال الأنسجة.
الأعراض، التي تنذر بالإصابة بسرطان المبايض، تتمثل في النزيف في غير موعد الدورة الشهرية أو بعد بلوغ مرحلة انقطاع الطمث أو الرغبة الملحة في التبول.
لماذا يتأخر التشخيص؟
في عام 2021، قابلت مي طبيبا متخصصا في بطانة الرحم المهاجرة كان في زيارة من الأردن إلى مصر، وأخبرها أنها بنسبة 90% تعاني من البطانة المهاجرة، ووصف لها دواء، تقول مي "طلب مني استعمال الدواء لمدة شهرين، وفي حال تغيرت الأعراض سيثبت ذلك إصابتي ببطانة الرحم المهاجرة، وبالفعل خفت أعراض الألم، لكنه حذرني من استمرار تناول الدواء أكثر من 6 أشهر لأنه كان دواء مخصصا لعلاج سرطان البروستاتا". مع إيقاف الدواء عادت الأعراض أكثر حدة وألما، وأكد لها الطبيب قبل انتهاء زيارته التي استغرقت 4 أيام، أن تأخر التشخيص سنوات هو السبب في كل تلك الآلام.
رغم إصابة نحو 10% من النساء والفتيات بالانتباذ البطاني الرحمي على مستوى العالم، حسب منظمة الصحة العالمية، ويتراوح متوسط تأخر تشخيص المرأة بهذا المرض بين 6 و11 عاما، وفقا لموقع "بيشين سيفتي" (Patient Safety).
وتوضح منصة "إم دي إيدج" (MDedge) الطبية أن هناك عددا من العوامل التي تسبب تأخير تشخيص المرض، ومنها:
صعوبة التمييز بين المرض وعسر الطمث.
إخفاء شدة آلام الدورة الشهرية لتجنب الإحراج أو الاتهام بعدم القدرة على التأقلم.
قلة التخصصات وضعف التكنولوجيا الطبية.
تطبيع الطبيب مع الألم المفترض للدورة الشهرية.
تجاهل الطبيب شكوى المرأة.
مرحلة أخيرة
تطور حدة آلام مي جعلها تقضي أياما طويلة ملازمة سريرها، مع تغيب دوري عن عملها الذي تحبه في تصميم المواقع، وتوقفت عن ممارسة أي هواية لها.
وسافرت مع زوجها إلى الولايات المتحدة، ووصلت لأحد الأطباء المتخصصين، وفي بداية عام 2022 أجرت المنظار البطني في وجود الطبيب المختص مع أطباء جراحة قولون ومستقيم ومسالك بولية. ووجد الأطباء انتشار أنسجة الرحم على طول الرباط الأيسر الواصل بين الرحم والعمود الفقري، مع وجود أجزاء منه على القولون والحالب وعضلات قاع الحوض والمبيض الأيسر، لكن المفاجأة أيضا كانت وجود الأنسجة على عدد من الأعصاب في الجهة اليسرى لم يستطيعوا إزالتها لعدم مشاركة طبيب أعصاب في إجراء العملية.
وتقول مي إن حالتها الصحية تحسنت بعد العملية لمدة 5 أشهر فقط، وعاودتها الأعراض مجددا بقوة أكبر.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه يمكن للجراحة أن تزيل آفات الانتباذ البطاني الرحمي، والالتصاقات، غير أن النجاح في الحد من أعراض الألم يعتمد كثيرا على مدى انتشار المرض. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تعاود الآلام الظهور حتى بعد الاستئصال الناجح لها، كما يمكن أن تسهم التشوهات العضلية في قاع الحوض في حدوث آلام الحوض المزمنة.
ويصاحب مي ألم عام في الظهر وفي الرجل اليسرى يمنعها أياما طويلة من الحركة، ويقول لها الأطباء ربما يكون السبب نمو الأنسجة مرة أخرى لأن تأخر تشخيص حالتها سنوات جعلها في آخر مراحل المرض (المرحلة الرابعة). حسب الجزيرة
اضافةتعليق
التعليقات