إن النفوس إذا أترعت بروح اﻹيمان بالله فقد صفت من الذنوب فبالإيمان تسود العدالة والمحبة والتسامح وتنتشر الفضيلة والرحمة بين عباد الله المؤمنين..
وقد اقترن اﻹحسان باﻹيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الاحسان أن تعبد الله وكأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وهو طبقا لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا ((كمال الحضور مع الله تعالى والمراقبة الجامعة لخشيته واﻹخلاص له بأن يحسن اﻹنسان قصده فيجعله خالصا متجردا لله فلا يستجيب ولا يطيع إلا كلمة ربه وأمر دينه وأن يقوم على تنفيذ ما أمر الله به في قوة وعزم بلا ضعف أو وهن وأن يصفي نفسه من الشوائب واﻷهواء، وأن يجعل نفسه كالمهاجر الدائم إلى الله)).
إن الاحسان هو الرحمة والتسامح والمحبة وكلها منبثقة من قلب مؤمن فكلما زاد اﻹيمان بالله عز وجل زادت المعرفة بجلاله وكلما زادت معرفته استحل القلب بنور محبته وتجليات جماله أكثر فأكثر وفيما أوحى الله عز وجل إلى نبيه داود عليه السلام: "يا داود!! ما أحبني أحد أعلم ذلك يقيناً من قلبه إلا قبلته لنفسي وأحببته حباً لا يتقدم أحد من خلقي".
والحب هنا حب لذات الخالق عز وجل ﻷنها الكمال ذاته والجمال ذاته.. قال الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام لجابر الجعفي في وصف أهل التقوى "قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم ونظروا إلى الله تعالى وإلى محبته بقلوبهم واعلموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه".
إن هذا الفيض اﻹيماني الجميل تحصل عليه أيها العبد المؤمن من الخالق عز وجل الذي إذا أحبه عبداً أحاطه بالعناية وأثابه في الدنيا واﻵخرة وهذا ناتج من حب العبد لله عز وجل وهو حب العارف لحقيقة المحبوب فيسارع إلى طاعته من معصيته دون عناء أو تكلف بل بلذة وحلاوة وطيب نفس...
أما حب العبد ﻷخيه العبد فهو ترجمة اﻹيمان في العلاقات اﻹنسانية على أرض الواقع ابتداءا من علاقة الزوج وزوجته التي جعل الله عز وجل بينهما مودة ورحمة وانتهاءا بدور الطفل في المجتمع، ﻷن إصلاح اﻷسرة أساس إصلاح المجتمع بأفراده وصلة بعضهم ببعضهم اﻵخر...
وإليك أيها العبد المؤمن بعض الدرر الثمينة من اقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الاطهار في اﻹحسان إلى اﻵخرين لكسب محبة الله عز وجل..
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحسن لمن أساء إليك" قال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها".
أما اﻹمام علي عليه السلام فقد كان أكثر الناس إحساناً لمن أساء إليه وهذه الخصلة الحميدة أخذها من رسولنا اﻷعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكيف لا؟ وهو الذي تولى رعايته وتربيته وقد خصه الله عز وجل بالمحبة اﻹلهية المقدسة التي اختارته أن لا يسجد لصنم وأول من صدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد قال عليه السلام في الاحسان اقوالاً كثيرة نذكر منها:
- بالاحسان تملك القلوب.
- أحسِن الى المسيء تملكه.
- ان احسانك إلى من كادك من اﻷضداد والحساد لا غيظ عليك من مواقع إساءتك منهم وهو داع الى اصلاحهم.
فما أجمل هذه الحياة التي يكون أساس التعامل بها بين العباد، الاحسان والتسامح والمحبة هذا هو إمامنا وقدوتنا امير المؤمنين كرم الله وجهه يزودنا بالثراء الروحي اﻷبدي الذي يصلح شأننا ويجعلنا سعداء في الدنيا واﻵخرة وكيف لا؟! وهو من شهد فتح مكة وشاهد ما حدث لفضالة عندما تحول حقده الدفين للرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى فيض من الحب الذي غمر حياته وإليك هذه القصة الرائعة في تغير حال الانسان بفضل الاحسان وروح التسامح والرحمة التي جاء بها الاسلام في الرسالة المحمدية الشريفة.
إنه التسامح النابع من ذلك الفيض من المحبة والمودة التي جاء بها الاسلام واتخذها الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم نهجه في نشر الاسلام في البلاد وجاء المسلمون أنصار ومهاجرين الى بيت الله الحرام متآخين متحابين في الله.. دخلوا الى مكة بقيادة نبيهم نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي صدورهم المودة والمحبة وسكينة الايمان، فلم يكن يوم تشف ولا انتقام بل رحمة وسلام.
ولو وقفنا عند حادثة واحدة وقعت لرسولنا الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو يطوف بيت الله جل جلاله وكيف تعامل معها بروح التسامح والمودة لكشفنا ما للحب من قوة على تغير اﻷحوال وتحريك الاشياء.. وهذه القصة تحكي ماكان في صدر فضالة بن عمير، من غل وانتقام من الرسول صلى الله عليه وآله وبينما كان الرسول يطوف بالكعبة اقترب منه فضالة وأصبح قادراً على توجيه ضربة الى الرسول وفجأة رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يلتفت اليه ويقول: (أ فضالة)؟ انتبه أيها المؤمن الى هذا السؤال وما فيه من قوة وإشعاع وتابع الحوار بقوة الادراك لتكشف لنفسك عن قدرة صفة التسامح والمحبة على تغيير الحال.
أجاب فضالة باضطراب:
نعم فضالة، يارسول الله..!
سأله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
(بم تحدث نفسك يا فضالة...)؟
قال فضالة وهو يرتعش:
لا شيء... إنما أذكر الله...!!
ابتسم الرسول صلى الله عليه وآله وقال له: "استغفر الله، يا فضالة.." ثم وضع يده الكريمة المباركة على صدره.. وانصرف عنه.
أتعلم أيها المؤمن ماذا قال فضالة بن عمير بعد ذلك؟ قال: "والله، ما رفع يده عن صدري حتى صار ما أحد من خلق الله أحب إلي منه".
إن قوة التسامح والمحبة أقوى قوة في الكون قادرة على التغير فاليد الشريفة المباركة استطاعت أن تخرج من قلب فضالة ذلك الحقد ليحل محله الرحمة والسلام.
اضافةتعليق
التعليقات