أوراقٌ خضر، ثمارٌ ناضجةٌ يانعة، يستمتع بها النظر عند دخولنا واستراحتنا في محطات دعاء التوسل، نستشفع بأبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكل عائلته من أول الناس اسلاما وإلى إمامنا المهدي، كلهم قطوف دانية.
وها نحن نطوف بإحرام التأمل حول المناجاة الخمسة عشر، ونعرج على مناجاة التائبين وصرخة مولاي زين العابدين التي تُهز مشاعر الغافلين وقوله: (إِلهِي أَلْبَسَتْنِي الخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتِي، وَجَلَّلَنِي التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتِي، وَأَمَاتَ قَلْبِي عَظِيمُ جِنايَتِي...).
وسط هذا النداء، كيف لا يغفر المولى تلك الصرخة! هيهات، هيهات وهو صاحب المواهب السنية!
من منا لم يشد الرِّحال كل سنة مع حجاج بيت الله الحرام، بالامكانيات المتوفرة، ويطير بمعية دعاء عرفة، وبصحبة سيدي شهيد كربلاء، وتدق أجراس التنبيه وعبارته: (عليه السلام): "عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً". فكُتبت العبارة بحروف محفورة في قلوب المحبين.
ومع كل صباح، وبعد انتهاء صلاة الفجر يتجدد اللقاء مع إمام العصر، روحي له الفداء، على لسان صادق أهل البيت (عليه السلام) حيث نقرأ دعاء العهد، على أمل أن نكون من المواظبين على قراءته عسى أن نكون من أنصاره ونحن نردد ثلاثًا في نهايته: العجل، العجل، العجل يامولاي ياصاحب الزمان.
مازلنا نتأمل في قراءة هذه الصحيفة المليئة بالمواعظ والحَكم..
وفي شهر الله الكريم، شهر رمضان المبارك يُنقل إلينا أن أصوات المحبين تتعالى في لياليه، واقفين بباب الإله يحاورهم القلب بحديث الأمن والأمان (سَلامٌ عَلَيْكم كَتَبَ رَبُّكم عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) إذن هو العطوف الرحيم على الخلق وجميع البرية.
ويطير بنا جناح الفقر إلى الله، ويستضيفنا دعاء ((الافتتاح)) بثواب قرائته، نجد في لغته الأمر العجيب حيث؛ ترعد سماء الجسم خوفًا، وترتجف الأعضاء خجلا، حين يُحدثنا إمامنا المنتظر(عجل الله فرجه الشريف)، وعلى لسانه قائلا: الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها، وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها.
وتحيطنا الحيرة أي عمود نقرأ في تلك الصحافة، فالمائدة تحوي الأصناف العديدة. والآن لنرحل مع القصة الكاملة لرحلة الإنسان من ألفها إلى ياءها، متجسدة بدعاء أبي حمزة الثمالي وسؤاله: من أين لي الخير ياربّ، ولا يوجد إلا من عندك؟!
نقف بحسرة، نقف بألم، ونقف بأمل حيث رحمة الله ونقول: اغفر لنا يا ذا العلى في هذه العشية، ويكمل مولانا السجاد (عليه السلام) في الدعاء نفسه :
...وَقَدْ خَفَقَتْ عِنْدَ رَأسي اَجْنِحَةُ الْمَوْتِ، فَمالي لا اَبْكي اَبْكي، لِخُروجِ نَفْسي، اَبْكي لِظُلْمَةِ قَبْري، اَبْكي لِضيقِ لَحَدي..
ومع قارب الخشوع الذي ينقلنا على ضفاف شواطئ أدعية شهر رمضان المبارك ثُبت المجذاف ليقف القارب على دعاء: (اَللَّهُمَّ رَبَّ الْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَربَّ شَهْرِ رَمَضانَ وَما أَنْزَلْتَ فيهِ مِنَ الْقُرآنِ ...) نعم فهناك عرس بهيج يحضره المدعوون في ليلة عظيمة مباركة هي خير من ألف شهر، تلك ليلة القدر المباركة التي تحت ظلها يجتمع جمهور غفير يردد وبصوت واحد عبارة تجذرت في النفوس. (سبحانَك يا لا اله إلاّ اَنْتَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ خَلِّصْنا مِنَ النّارِ يا رَبِّ). هذه هي مصابيح النور المتوهجة من دعاء الجوشن الكبير الذي أوصلنا إلى ساحة الشكر والعرفان، وقد مددنا أيادينا إلى بارئنا قائلين: (يا دائم الفضل على البرية يا باسط اليدين بالعطية يا صاحب المواهب السنية صل على محمد وآله خير الورى سجية واغفر لنا يا ذا العلى في هذه العشية).. اللهم ننتظر منك هدية العيد بعد انقضاء الشهر الفضيل، بأن تقبل صومنا وقيامنا وتغفر لنا ذنوبنا..
اضافةتعليق
التعليقات