يقول شاب عربي مغترب، مرت السنوات وأخذتني دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالي الطفولي الذي كان يدور في مخيلتي لماذا كانت امي تمنعنا من مشاهدة فوازير رمضان برغم ان كل اصدقائي كانوا يشاهدون الفوازير.
حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة على هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم فى الركن الآخر من الكرة الأرضية، كان ذلك الرجل هو عامل أمريكي في محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود فى طريق عملي وفي اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتي فإذا بي أجد ذلك الرجل منهمكا في وضع أقفال على ثلاجة الخمور.
وعندما عاد لمحاسبتي على القهوة سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا، لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة؟
فأجابني: هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح!
نظرت إليه مندهشا قائلا: لماذا تتدخل الدولة فى شيء مثل ذلك؟
فقال الرجل: الاحترام يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متدينا، إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شيء.
"الاحترام" ظلت هذه الكلمة تدور فى عقلي لأيام وأيام بعد هذه الليلة، فالخمر غير محرم عند كثير من المذاهب المسيحية في أمريكا، ولكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام، إنها مسألة احترام، فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام. وليس من الاحترام السكر فى معية ذلك الضيف، فيتوجب على الجميع ان يحترمون هذا الضيف لهذا وضعت الدولة قانونا.
يتوجب علينا كمسلمين أن نحترم شهر القرآن ونعرف ماذا نشاهد، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خير منه، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، فإنّ الوقت في رمضان زمن سرمديّ، لا يُقاس بالدقائق والساعات، بل بما يمكن أن يحققه دعاء أو صلاة من معجزات.
تسعى الأنفس المؤمنة جاهدة إلى الفوز ببركات هذا الشهر، بينما تجنّد الفضائيات كل إمكانياتها لتسرق منا وقتنا، ولتلهينا عن عباداتنا، ولتجمع الأموال الطائلة من الإعلانات، التي تتنافس المسلسلات على اقتسام غنيمتها.
إن من أهم الأشياء التي يركز عليها المتكلمون في التنمية البشرية وطرق التغيير الذاتي للأفضل هي أن تحدد خطة أن تضع لها مدة زمنية ثم أن تلتزم بذلك بكل إرادتك، حيث يعد شهر رمضان سيد الشهور، فقد هيأ الله لنا جميع الظروف المؤنية وأعاننا على ذلك بفضله و كرمه فلا يتطلب الأمر كله من أي شخص منا إلا قرارا من الأعماق و رغبة صادقة في التغيير للافضل فلنتوكل على الله ونكون عباد الله الذين يباهي بهم ملائكته يوم العرض الأكبر، فرمضان شهر التغيير بإمتياز بكل سكينة و طمأنينة روحية، فلا نحول رمضان إلى شهر ترفيهي بدلا من شهر روحاني.
ما أجملك وأبهاك يا رمضان، تأتينا ونحن محملون بالذنوب والخطايا ملأ السماء، فتهدينا فرصة عظيمة، عظمة أيامك الكرام لنحاسب أنفسنا ونستوقف الزمن الماضي ونستشعر عظمة الخالق ونذوب في حب الله ومناجاته ونسعى لطاعته ومرضاته، ونكثر من الصدقات على المحتاجين والفقراء، ولا يوشك رمضان أن يذهب حتى يأخذ معه كل همومنا واحزاننا، كل ذنوبنا وخطايانا، ونعود بذلك كمولود جديد يستقبل الدنيا بحلة العيد السعيد من فرط سعادتنا بمحو الذنوب.
اضافةتعليق
التعليقات