إن الهدف من نهضة الامام الحسين (عليه السلام) لم تكن من اجل اراقه الدماء او من اجل رئاسة ونزعة طائفية فهناك ابعاد لهذه القضية لم تذكر بصورة دقيقة كما هي، لذا بقيت بعض المواقف تحاكي الضمير الانساني فبقيت خالدة الى هذا اليوم، ولا بد من الاستفادة منها في تربية الاجيال بهذه المواعظ الاخلاقية والانسانية التي تركها الامام الحسين في ملحمة عاشوراء، فلم تكن ساحة للقتال فقط وانما كانت دروس وعبر، حتى ان بعض الاعداء تغير موقفهم وتركوا موقعهم العسكري والتحقوا بمعسكر الامام الحسين (عليه السلام) عندما شاهدوا اخلاق رسول الله (ص) والاسلام في الحسين ومن معه، فكانت اصوات العبادة تعلوا من مخيمهم، وقراءة القرآن حتى مطلع الفجر، حتى اهتز سواد الليل بتراتيلهم وزلزلت الارض بدعواتهم، وفتحت قلوبهم واعية الحسين وايقظت ارواحهم من الغفلة فكانوا خير اصحاب وأوفى.
اذن هناك نماذج كثيرة حصلت في عاشوراء ومن الممكن ان تكون مدرسة في ايام شهر محرم الحرام وتعليم الأجيال من هو الحسين بن علي وماذا كانت ساحة كربلاء، حتى نعرف ان عاشوراء ليست فقط دماء واجساد ومعركة انتهت، هناك اعظم من هذه الأمور هي انتصار الحق واتباعه، وبقيت صامدة امام كل هذه الحروب التي تتعرض لها والشبهات في قضية الحسين إلا انها تتجدد في الاحداث فتصبح كربلاء عاصمة الاحرار في العالم، وما يطرح في هذه المدرسة هي المحاور الاساسية (المحور الانساني، الاخلاقي، التربوي، العبادي، الثقافي) وبعدها مناقشة هذه المحاور والتعمق فيها واعطاء نماذج من التاريخ.
ثورة الحسين (عليه السَّلام) والمحور الانساني
هناك جوانب انسانية كثيرة في ثورة الامام الحسين (عليه السلام) وإن لم يتم نقلها حيث ما ينقل هو جانب محدد ويتركون الأخرى المهمة في ايصال الحقيقة للأجيال القادمة، ففي زمن الماضي كان يكتفي الخطيب بذكر كلمة يا حسين حتى تذرف العيون وتعلو الصراخات، الآن بدأ الجيل يبحث ويسأل ويناقش في ابعاد القضية الحسينية، وقد يطرح الشبهات من دون أي معرفة، والكثير يتجاهل هذه الشبهات ويبتعد عن الرد لعدم معرفته في كل الجوانب، منها الانساني والاخلاقي في مدرسة عاشوراء.
اعرض بعض من هذه الدروس الانسانية وهي (بكاء الامام الحسين على مصير الاعداء بعد مقتله)، قبل بدء معركة الطف قام الامام الحسين (ع) بألقاء المواعظ والخطب وحذرهم ان يقتلوا ابن بنت نبيهم ويدخلون النار بفعلتهم هذه ولكنهم رفضوا ان يستمعوا للأمام بل كان ردهم للأمام أن رموه بالسهام والنبال، وعندها بكى الامام الحسين (ع) وقال إن هؤلاء القوم سيدخلون النار بسببي، أي قلب يتألم على اعداءه الذين فعلوا ما فعلوا، درس انساني عظيم خط في تاريخ كربلاء.
الدرس الثاني: (موقف الامام الحسين (ع) من علي بن الطعان المحاربي)، لو كان عدوك واقف امامك وبحاجة الى مساعدة هل تساعده؟
أجاب الامام الحسين على هذا السؤال عندما كان علي بن الطعان المحاربي احد مقاتلي جيش الحر بن يزيد الرياحي الذي جعجع بالحسين وقطع الطريق على الحسين وكان تعداد جيش الحر (الف مقاتل) مع الخيول وكان الجيش بحاجة للماء لأنهم كانوا عطاشى فقام الامام الحسين وأصحابه بسقي الجيش المعادي له والذي جاء لقتل الامام الحسين (ع) وكان هذا المقاتل علي بن الطعان اخر مقاتل وصل الى معسكر الامام الحسين (ع) وكان في غاية العطش وقام الامام الحسين (ع) بيده الشريفة يسقيه الماء حتى روى وقام هذا القاتل بمنع الامام من شرب الماء عندما سقط الامام من ظهر فرسه الى الارض في معركة الطف وكان الامام الحسين (ع) يطلب الماء لشدة عطشه ولم يسقه واستشهد وهو عطشان.
المحور التربوي:
لعل أول درس في التربية هو كيف كانت تربية الامام الحسين لأولاده فليس من السهل عندما يلبي الابن نداء والديه ويقدم اغلى ما يملك في سبيل بر الوالدين فكيف اذا كان امام معصوم، القرآن الكريم اعطى نموذج وهو قصة إبراهيم عليه السلام ورؤياه بذبح ابنه، واعتبرها البعض قضية ابتلاء، "أمرِ الله نبيَّه إبراهيم أن يذبح ولده" يهرع أغلب المفسّرين إلى بيان عِظم الابتلاء وشدّة الاختبار، فمن ينجح في هذا الاختبا؟ قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ"(الصافات، الآية 102).
ففي هذه الآية يخبر إبراهيم ابنَه "إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ"،؟ وتعتبر "رؤيا صادقة "، أي هي وحي من الله وأمر، الامتثال لأمر الله ووحيه مهما بلغ الأمر شدّة وقسوة، فمقام النبوّة هو أعلى مقامات "العبوديّة" والامتثال لأوامر الله فكان الرد هو "إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ" (الصافات، الآية 106). ولما "نجح إبراهيم" بهذا الابتلاء، كانت النتيجة النهائية أن فدى اللهُ "الذبيحَ" بذبح عظيم" وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" (الصافات، الآية 107).
اذن التربية كان لها دور كبير في قبول وطاعة ما يقوله الاب فيما يرضي الله تعالى والنموذج الصالح في معركة الطف هو علي الاكبر حيث كان مرافقا لأبيه ملبيا دعوته لا يبالي الموت ان وقع عليه، في حديث لعقبة بن سمعان قال: لما كان السحر من الليلة التي بات الحسين عليه السلام فيها بقصر بني مقاتل أمرنا بالاستسقاء ثم ارتحلنا، فبينما هو يسير إذ خفق الإمام الحسين عليه السلام برأسه خفقة وانتبه وهو يسترجع ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين كرر ذلك ثلاثا.
فأقبل إليه ابنه علي الأكبر وكان على فرس له، وقال له جعلت فداك مم استرجعت وحمدت الله؟
فقال الحسين عليه السلام خفقت برأسي خفقة فعرض لي فارس يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.
قال علي الأكبر عليه السلام يا أبت ألسنا على الحق؟
فقال الحسين عليه السلام: بلى والذي إليه مرجع العباد.
فقال علي الأكبر عليه السلام: إذاً لا نبالي أن نموت محقين.
فقال الحسين عليه السلام: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.
لقد سطرت نهضة كربلاء درسا عمليّاً من دروس الانسانية والاخلاقية في اصعب حال وهي المعركة.
المحور العبادي
في اشد حالات القتال كان هناك ملامح من العبادة والدعاء، والصلاة وترتيل القرآن الكريم، ليشير للأمة بأن الإسلام عبادة فيطلب من أحد أتباعه ليطلب من الأعداء مهلة حتى ينتهي من الصلاة، فيصلي الإمام عليه السلام ولكن رمي السهام والنبال لم تترك له مجال أوسع للعبادة، يقول الرّواة: «لما حلَّ وقت صلاة الظهر يوم العاشر من المحرم، أمر الحسين (عليه السلام) زهير بن القين وسعيد بن عبد اللّه الحنفي، أن يتقدّما أمامه بنصف ممن تخلّف معه، ثم صلى بهم صلاة الخوف، فوصل إلى الحسين (عليه السلام) سهم، فتقدّم سعيد بن عبد اللّه الحنفي ووقف يقيه بنفسه، حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهمَّ العنهم لعن عاد وثمود، اللهمَّ أبلغ نبيك عنّي السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فاني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك، ثم قضى نحبه رضوان اللّه عليه، فوُجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح».
علما بأن الحسين (عليه السلام) حاول ليلة العاشر من المحرم تأجيل القتال عندما بدأ جيش العدو يزحف باتجاه معسكره، فأرسل أخاه العباس بن علي (سلام اللّه عليه)، ليتفاوض مع القوم حتى يُرجئوا القتال إلى الغد، ولم يكن ذلك خوفا من الموت أو خدعةً من أجل البحث عن مخرج، بل لكي يجد متسعا إضافيا من الوقت يصلّي فيه لربه ويُكثر من الدعاء والإنابة إليه، فقد قال لأخيه العباس (سلام اللّه عليه): «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى الغُدوة وتدفعهم عنّا العشيّة، لعلنا نصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلمُ أني قد أُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه والدُّعاء والاستغفار».
كيف بعد هذه المحاور، كيف نوصل الرسالة الحسينية الى هذا الجيل ولعلها تصبح منهج انساني لكل الثوار، لنكون كما أمرنا الإمام الصادق(ع) بقوله: (احيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا)، احياء انساني وثقافي عميق.
اضافةتعليق
التعليقات