من أكثر القصص الواقعية التي تأثرت بها كثيرًا هي قصة هذه المرأة التي تقول: كنت دائماً أنتقد الآخرين على سوء تربيتهم لأبنائهم وأفتخر كثيرًا بأبنائي أمامهم بل وأقارن بين أبنائي وأبنائهم إلى درجة التجريح بهم وإهانتهم!.
كنت أتهمهم بأنهم لا يعرفون كيف يربون أولادهم فكبروا وهم يحملون صفات سيئة بعيدين عن الدين والالتزام!! وكنت أغفل في الحقيقة عن كثير من الشواهد التاريخية والقرآنية التي تذكر لنا قصص الآباء المؤمنين مع أبنائهم الفاسقين!.
تقول تلك المرأة بقيت على هذه الحال من التفاخر والمباهاة وأنا أرى أولادي يكبرون على الإلتزام وفعل كل ما أطلبه منهم من الصلاة والصوم وترك الغناء ووو... إلى أن جاءتني الصدمة!! حين بدأ أحد أولادي يتمرد على تعاليم الله ويبتعد عن الدين متأثرًا بأصدقائه في المدرسة وشيئًا فشيئا صار لا يأبه لصلاته أو صيامه، يقضي أغلب أوقاته على الهاتف مع الغناء والطرب وأصدقاء السوء..
ولكن أين تربيتي وتعبي؟ بل أين تفاخري به أمام الأخريات؟! لقد ذهب كل هذا مهب الريح وعرفت حينها بأنني كنت مخطئة بانتقاداتي اللاذعة والجارحة للآخرين فليس كل ما يفعله الأبناء سببه الآباء كما يقال دائمًا لنا في علم النفس فللدين رأي آخر!.
لقد سرد لنا القرآن قصة ابنَي آدم عليه السلام وهما (هابيل وقابيل) فرغم أنهما تلقيا نفس التربية من نفس الأب المعصوم ونفس الأم إلا أن أحدهما كان مطيعًا لله والآخر كان عاصيًا لله إلى الدرجة التي أصبح فيها قاتلًا لأخيه!.
كذلك ابنَي نوح عليه السلام فأحدهما كان صالحًا والآخر عاقًا حتى خاطب الله نبيه نوح بشأن الولد العاق (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ )!.
نفس الحديث يجري مع نبي الله يعقوب عليه السلام وأولاده الذين بقوا لعشرات السنوات يكذبون عليه في مسألة تغيبِهم لأخيهم يوسف عليه السلام..
كل هؤلاء كانوا أولاد أنبياء لكنهم رغم ذلك اتبعوا طريق الشيطان، فهل كان التقصير من آبائهم المعصومين؟؟
فما بالنا اليوم وما إن نرى أحد ذراري المؤمنين قد اتخذ طريق الشيطان حتى صرنا نكيل لوالديه أقسى كلمات التجريح والإهانة؟!
نعود إلى قصة تلك المرأة التي تكمل حديثها بالقول: الصدمة الأكبر من كل هذا بأن أولاد تلك العوائل التي كنت أتكلم بالسوء عنهم وعن تربيتهم عادوا لطريق الله وصاروا مفخرة لأهليهم ورفعة رأس لهم وبقيت أنا أندب حظي العاثر! وصرت في كل لحظة أردد بندمٍ شديد الآية الكريمة (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) نعم فقد أكون أنا السبب في ضلالة أبنائي نتيجة تجريحي بالآخرين!.
إلى هنا نتوقف في سرد باقي القصة لنقول: إن من أسوء الصفات الذميمة هي التفاخر أمام الآخرين بقصد التباهي والتعالي عليهم وخاصة في مسألة التدين والهداية وكأننا نحن من نهدي أحبتنا إلى الإلتزام بأوامر الله تعالى متناسين قوله تعالى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
ولقد أوضحت بشكل مفصل بعض الشيء في كتاب (نرجس) مسألة الهداية وكيف إن الله تعالى أعلم بالمهتدين الذين فيهم بذرة خير ممكن أن تنمو مستقبلاً فيهبه الهداية..
فلماذا بعد هذا نفتخر بشيء لم نكن نحن سببًا فيه؟! وبدل التباهي والتفاخر علينا أن نحمد الله ونشكره ليل نهار ونتوسل إليه أن لا يغير علينا نِعمَه وأن لا يحرمنا ألطافه وأفضاله..
خاصة إننا نعيش مصاديق آخر الزمان - كما هو الظاهر والله العالم - حيث إن من أهم مصاديقه هو تغير الحال الإيماني للشخص بين ليلةٍ وضحاها!
فمما روي عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الحديث الشريف الذي رواه الفريقين من المسلمين:
"سَتَكون فِتَنٌ، يُصبِحُ الرجُل فيها مُؤمِنًا، ويُمسي كافِرًا، إلّا مَن أحياهُ اللهُ بِالعِلم".
قد يأتي من يشكل علينا الآن بالقول: أنتم بذلك تلغون دور التربية الأسرية وأهميتها في حياة الفرد! فأقول: بل العكس فمن منطلق قول الإمام علي عليه السلام (التعلم في الصغر كالنقش على الحجر) يجب أن يكون للوالدين أكبر الأثر في إرساء قواعد الدين الحنيف في قلوب وعقول صغارهم وهم بذلك يكونوا قد أدوا واجبهم وتكليفهم الشرعي مع أولادهم في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكنهم في نفس الوقت يجب أن يكونوا على الدوام في حذر من دور الشيطان والهوى والبيئة المحيطة بأولادهم كالمدرسة والجامعة والكتب والفضائيات وأصحاب السوء ومواقع التواصل الاجتماعي وأكثرها اليوم أصبحت من ضروريات الجيل الجديد!.
فلا داعي بعد ذلك للتباهي بأبنائنا ونحن لا نعلم في أي ساعة ينحرفون - لا سمح الله - ولا داعي أيضًا للتجريح بالمؤمنين وذراريهم إن كانوا سيئين ونحن لا نعلم كيف أنهم وفجأة قد يصبحوا من الصالحين.. وليس هذا على الله ببعيد!.
نسأل الله الهداية والسداد للجميع ولا نملك غير الدعاء لنا ولذرارينا وذراري المؤمنين والمؤمنات بالتقوى والصلاح مرددين معًا (رَبِّ أَوزِعنِي أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتِي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صَالِحًا تَرضَاهُ وَأَصلِح لِي فِي ذُريَّتي إِنِّي تبتُ إِلَيكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسلِمِينَ).
اضافةتعليق
التعليقات
2020-06-12