عند مطلع الحديث عن الصديقة فاطمة الزهراء لابد أن يتوضأ الحرف ويهوي القلم راكعا، يغض الطرف، لأنه في حضرة الذكر.. (فاخلع نعليك انك بالوادي المقدس طوى)*.
رقيب النور قد استطال، وفي طوى ازدحمت الأبجدية عند فاطر.. مائدة اللسان تستجدي بعض الفتات من حروف الرقي لترقى بيت السكينة وتستعطف أذهان المعرفة ويعترف الوتين ب قدسية النور وجلالة مجده، علما، أن الوفاض في حضرة الطور يبقى قاصرا وليس سهلا إيجاز علمه، وغور معانيه وإباحة الحبر لأخذ مكانه بجدارة بين وريقات التأريخ.
(رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)*، ف كلنا فقراء وعند فاطمة الغنى، لأن للكلمة حياء، وجملة عفافها أنها تمشي على استحياء طالبة الغرقد من أهل النور.
وإن أمة الناس، استلطافهم أن يسقون أجر ملاذهم عسى أن يهديهم ربهم سواء السبيل.
فاطمة.. مولد النور
في كل ولادة، ينبئ العالم بحديث المعجزة، وكأن عروسا تلبدت قافيتها فكان الوتر رفيق الهمس، إن اكتموا ف الليل قد انبلج.
ما أرفق نعمة أن يتولاها أصحاب القلم، ليكتب الرقيم، صحف مطهرة، مرفوعة العلياء عن وجوه قبلتها أنسام الملائكة. ليتها ترافق المكنونة فتعرف منها علم الأولين وما رافق الآخرين.
لذا نحتاج أن نسكب برفق، ونتخلق بأدب التواصل والولوج عمقا لنكون أهلا لفهم وإدراك معادلة النور.
وهل أتى على الإنسان حينا من دهره، أن يكن مذكورا حين إيفاد ملائكته وسجودهم لنور النبوة في صلب الطهارة وتنهدات أنفاسهم عند أعتاب الرسالة؟! أي عظمة لنوره المتقد قد أودع في سيدة النساء؟!
لأننا بصدد معدن العظمة، فلا حديث عنها يمل، ولا استماع يذل. دعونا نراهن النور بخضوع، وترفل دموعنا رزقا وثوابا وتلتئم من هاجس الرديف وأمشاج النفس.
فإن الوجد هنا يخاطب النور بعين الروح، وحذاقة اللفظ، وإدراك القلب، ورفعة اليقين وأنه لاغير سوى سيدة النساء لأنها مرضية.. وكيف لا، وقد ارتمت المعاني حبا وعشقا بين يدي الخطاب من فم النبوة عبقا مخضرما بتأريخ المعراج، فأفاق الغسق حينها وتكلم..
بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حين قال: وأمّا ابنتي فاطمة (عليها السلام) فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين. وهي بضعة منّي وهي نور عيني وثمرة فؤادي وهي روحي، وهي التي بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها للملائكة في السّماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، فيقول الله عزّ وجلّ للملائكة يا ملائكتي اُنظروا إلى أمتي فاطمة سيّدة نساء خلقي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، اُشهدكم أنّي قد آمنت شيعتها من النّار*..
فاطمة.. صفوة الله
في رحلة الظلام، إيلاما لأفكارا مشذبة، تهيم فتأكل العفاف، وتستقر بئرا عاقر من رطوبة القيم.. الحافلة، تنتظر من يراقب وافق الرحلة.
تتنهد الخطوات، ويستجيب الطهر لجملة السلام، وتعفر جنبها قبولا بقدوم المعجزة.
أهو طيف، أم سحاب مرقوم، أم عنقودا من لفافة القدر، أم إيجاز القرن من بكرة الخلق إلى حين المفاجئة.. نعم إنها فاطمة، (وأشرقت الأرض بنور ربها)*
مكنونة في ظل العرش، أنارت الخليقة بجمال طلتها، وحديث عفافها، ومنطق أخلاقها..
وفرة عميقة من علم الأولين والآخرين، فاستنار الكتاب حرفا ممزوجا بالمعرفة، وفم الحقيقة تتكلم، وتبصم اشراقا مضيئا..
وقد أباح الكون هنا حقا مصونا لها حين قال نبينا الأكرم صلوات الله عليه:
(وتستوحش إذا جنّها اللّيل لفقدي وفقد صوتي الّذي كانت تأوي إليه إذا لَهِجْتُ بالقرآن، ثمّ تُرى ذليلة بعد أن كانت عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بملائكته فتناديها بما نادت مريم ابنة عمران: "يا فاطمة إنّ الله اصطفيكِ وطهّركِ على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين"*.
حقا، إنها العظمة.. أن تنال وسام الطهر وصفوة الوجود فكان لها ذلك البعد الكوني عهدا من الله جل ذكره لها.
وعن سعد بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أتاني جبرائيل (عليه السلام) بسفرجلة من الجنّة، فأكلتها ليلة أُسري بي، فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رقبة فاطمة».*
كان في مولدها، استدراج للقيم كي تأخذ مكانها عند أعتاب الدعوة للحق، واكتمال الخطاب وأمانة السماء، فكانت هي قطب الرحى وثبات القدرة، أعطت للوجود لمسة زهرائية اقترنت بالولاء والطاعة، وأعطت صبغة للحاضر من فاضل كف دعائها. ورسمت خطة عصماء للمنابر.
فاطمة.. قدوة الوجود
في المحافل العامة والخاصة، يتقمص مفرد الاقتداء شذرات متعددة المواهب،
ولعل أبرزها، تلك الممهورة بغد الكرامة.. وثوبها المجلل بالعفاف والهيبة..
برمجة الحاضر تختلف، وسكرة المذاق معهودة بظل الرتابة، ورسم الواجهة.. لذا تواجه الفكرة أحيانا صفعا لا صفحا، وتغيب الحروف هنا بين طيات السطور المبهمة، ينكر حينها الحق وينسى صدق الحديث، ويذوب المضمون ويصبح عانسا
بوسط أحاديث النشاط المغايرة للحق. فتبقى الحنجرة مكتومة مكلومة، قد اختنق ظلها وسرق منها مجهودها.. فتعوم حقبا كي تنجلي الحقيقة، وهذا يتطلب عملا شاقا لايداع الفكرة ثوبها الجديد وحذف المفاهيم المعاقة وابدالها معجم متعدد الكلمات الرصينة وهو ما نحتاجه اليوم..
إيفاد ملكة الخير جسد المجتمع، وكي دائها بعافية القصيد، وتفويض الدواء لقلب الشارع المتوجع.. وإيفاد كل المشاعر حبق معهود بالشفاء.
نحتاج إلى من يعوضنا النسيم الهادئ، وقلب معادلة الصخب إلى ربيع.. وحفظ الكرامة بكل أدواتها وأدلتها.
ففي شخص السيدة الزهراء البتول، تجتمع الحلول وتعقد الكرامات وتنجلي الظلمة وفي الاقتداء بها ولادة جديدة وخلاص ونجاة لأن مولدها حلقة وصل بين الخير والوجود، فلا وجود إلا بوجودها ووجدها.
عن تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي مسنداً عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير سورة القدر قال:
«إنّ فاطمة هي ليلة القدر، من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها، ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى».*
فهل هناك أعظم من أن تقارن بليلة هي خير من ألف شهر، فلا ملاك لصفوها إلا لأنها تهادت لسيدة نساء العالمين.
الليلة هي فاطمة، والقدر هو الله.. فمن عرف قدرها، أدركها (أدرك ليلة القدر), متلازمة لا تنفك عن بعضها، والقدر لا يتعافى ولا يرقى إلا بذكر فاطمة.
ولقد أشجاني قول من قائل
في كلِّ بسْمَلةٍ تنوحُ "الباءُ"
فيُردِّدُ القُرآنُ: "يا زهراءُ"
يَا "كوثراً" أبْكيتِ "طٰه"و"النَّبا"
ونَعتْكِ في "رحمانهِ" الآلاءُ
وعليكِ ضَجَّ "الأنبياءُ" و"مريمٌ"
و"القَدرُ" و"الإنسانُ" و"الإسراءُ"
فبأيِّ ذنْبٍ مِنْكِ يُسْقَطُ مُحسِنٌ
ولكَسْرِ ضِلْعِكِ يَهجُمُ الأعداء..
اضافةتعليق
التعليقات