لدينا ثلاث طرق في التعامل مع المشاعر: القمع والتعبير والهروب. وفيما يلي سنتطرق لكل واحدة على حدة:
1 - القمع والكبت: هاتان الطريقتان من أكثر الطرق استخداماً فمن خلالهما ندفن مشاعرنا ونضعها جانباً، يحدث الكبت بلا وعي أما القمع فبوعي، فنحن لا نود أن نزعج أنفسنا. مشاعرنا، فضلاً عن أننا لا نعرف ماذا بإمكاننا أن نفعل غير ذلك.
نعاني منها تقريبا ونحاول أن نستمر بالحياة بقدر الإمكان، والمشاعر التي نختار أن نقمعها أو نكبتها تتوافق مع برمجيات بالوعي واللاوعي فنحملها بداخلنا بحسب العرف الاجتماعي والبيئة الأسرية، فتظهر المشاعر المقموعة لاحقا على هيئة انفعال ومزاجية وتوتر في العضلات والرقبة والظهر، وصداع ومغص حاد واضطرابات في الدورة الشهرية والتهاب قولون وعسر هضم وأرق وارتفاع ضغط الدم وحساسية وحالات جسدية أخرى، وعندما نكبت شعوراً ما، فإن هذا يكون بسبب الشعور بالكثير من الذنب أو حتى الخوف من شعور لم نشعر به بوعي أبدا، فيندفع فوراً نحو اللاوعي بمجرد أن يهدد بالظهور، وبهذا يتم التعامل معه بعدة طرق لضمان إبقائه مكبوتا وخارج نطاق الوعي. تعد هذه الآليات من أكثر الوسائل التي يستخدمها العقل كي يبقي المشاعر مكبوتة، وكي يتم إنكارها وإسقاطها على سبب آخر. وهي: عادة ما ترتبط ببعضها ويدعم بعضها الآخر، فالإنكار ينشىء عقبات عاطفية ويوقف النضج وهو عادة ما يكون مصاحبh للإسقاط، فبسبب الشعور بالذنب والخوف، نكبت السبب أو الشعور ونتجاهل وجوده داخلنا وبدلاً من أن نشعر به، فإننا نسقطه على العالم والناس من حولنا، فنعيش تجربة الشعور وكأنه ينتمي «لهم» وبهذا يصبحون "هم" العدو، ويبحث العقل عن مبرر ليدعم الإسقاط، فيتم لوم الناس والأماكن والمؤسسات والطعام والأحوال المناخية والأحداث الفلكية والقدر والإله والحظ والشيطان والأجانب والجماعة الإثنية والخصوم السياسيين وغيرها من الأمور خارج ذواتنا.
إن أكثر آلية يستخدمها العالم اليوم هي الإسقاط، فهو الذي يفسر سبب كل الحروب والصراعات، والشغب المدني. وحتى التشجيع على كره العدو صار سببا كي تصبح «مواطناً صالحاً»، فنحن نحافظ على احترامنا لذواتنا على حساب الآخرين، وهذا ما يؤدي بالنهاية إلى الانهيار الاجتماعي.
فالإسقاط هو سبب كل هجوم وعنف وعدوان وكل شكل من أشكال التدمير الاجتماعي.
2 ـ التعبير مع هذه الآلية، يتم التنفيس عن المشاعر والتعبير عنها من خلال لغة الجسد وإظهارها عن طريق مجموعة مظاهرات غير منتهية، فالتعبير عن المشاعر السلبية. يسمح فقط بالتنفيس عما يمكن من الضغط الداخلي ليتم قمع ما يتبقى منه، وهناك نقطة مهمة جداً يجب فهمها، ففي حين يؤمن الكثير من الناس بالمجتمع اليوم، أن التنفيس عن مشاعرهم يحررهم منها، فإنه بالواقع عكس ذلك، فالتعبير عن شعور ما، أولا يزيده ويعطيه طاقة أكبر، وثانيا فإنه ببساطة يقمع ما تبقى من المشاعر ويخرجها من نطاق الوعي. وتختلف الموازنة بين القمع والتعبير في كل فرد بناء على البيئة التي عاش فيها في أول أيام حياته والمعايير الثقافية والأعراف الحالية والإعلام. وقد درج استخدام آلية التعبير عن النفس كنتيجة لسوء فهم أعمال سيغموند فرويد وطريقته في التحليل النفسي، فقد أشار إلى أن القمع يسبب العصاب وعلى هذا تم الاستناج خطأ أن التعبير هو العلاج.
وأعطى التفسير الخاطيء هذا، رخصة للانغماس الذاتي على حساب الآخرين، في حين أن ما قاله فعلا فرويد في تحليلاته النفسية الأصلية، هو إن المسبب أو الشعور المكبوت لابد من أن يتم تحييده وإعلائه، بالإضافة إلى تهيئته للمشاركة الإجتماعية وتوجيهه نحو أعمال بناءة في الحب والعمل والإبداع. فإذا ما أفرغنا مشاعرنا السلبية على الآخرين فإنهم سيعتبرونها هجوما عليهم، ما يجبرهم بالمقابل على قمع مشاعرهم أو التعبير عنها أو الهروب منها ولذلك فإن التعبير عن السلبية ينتج عنه تدهور في العلاقات ودمارها.
وأفضل بديل لها هو تحمل مسؤولية مشاعرنا وتحييدها وبهذا لا يتبقى سوى المشاعر الإيجابية للتعبير عنها.
3- الهروب: الهروب هو تجنب المشاعر من خلال الإلهاء، فهو أساس صناعة التسلية والخمور وهو أيضاً طريقة مدمني العمل.
إن الهروب من الوعي الداخلي وتجنبه هو طريقة تجاهل اجتماعية، فيمكننا تجنب ذواتنا ومنع مشاعرنا من الظهور من خلال مطاردات مختلفة لا تعد ولا تحصى تتحول بعضها بالنهاية إلى إدمان كلما ازداد إعتمادنا عليها.
يشعر الناس بالتعاسة لأنهم غير واعين، فنحن نلاحظ كم مرة يشعلون التلفاز بمجرد دخولهم إلى البيت ليدخلوا في حالة تشبه الحلم ودائما ما يكونون مبرمجين بسبب البيانات التي صبت بداخلهم. وهم يخشون مواجهة أنفسهم ويفزعهم الجلوس بمفردهم ولو لدقيقة وهذا ما تسبب في وجود أنشطة مجنونة مستمرة: النشاطات الإجتماعية التي لا تنتهي والحديث والرسائل النصية والقراءة وعزف الموسيقى والعمل والسفر والسياحة والتسوق والإفراط في تناول الطعام، والقمار والذهاب لمشاهدة الأفلام في السينما وتناول الحبوب وتعاطي المخدرات وحضور الحفلات .
إن العديد من أساليب الهروب المذكورة أعلاه، خاطئة ومجهدة وغير مجدية وكل واحدة منها تتطلب بحد ذاتها كميات متزايدة من الطاقة، فهي تحتاج إلى كميات هائلة كي تضمن عدم زيادة الضغط الناتج عن القمع والكبت، فيحدث فقدان تدريجي للوعي وكبح للنضج، بالإضافة إلى خسارة الإبداع والطاقة والاهتمام الحقيقي بالآخرين وحتى النضج الروحاني، وبالمقابل زيادة في المشكلات الجسدية والنفسية والمرض والشيخوخة، والوفاة المبكرة.
إن إسقاط هذه المشاعر المكبوتة يتسبب في مشكلات اجتماعية واضطرابات، وزيادة الأنانية والقسوة التي تعد سمة من سمات حاضرنا، والأهم من هذا كله، فإنه يؤثر في عدم القدرة على حب الشخص الآخر والثقة به، ما يؤدي إلى العزلة العاطفية وكره الذات. وعلى العكس مما ذكر بالأعلى وبدلاً من ذلك، ما الذي يحدث حينما نسمح برحيل شعور ما؟ تستسلم الطاقة الكامنة خلف هذا الشعور فورا وبهذا نتحرر من الضغط.
ويبدأ هذه الضغط المتراكم بالزوال كلما سمحنا برحيل المشاعر السلبية وجميعنا يعرف أننا عندما نسمح بالرحيل فإننا نشعر بحال أفضل بسرعة، وتتغير فيزيولوجية الجسم حيث تظهر تطورات يمكن ملاحظتها في لون البشرة والتنفس وضربات القلب وضغط الدم والتوتر العضلي وعمل الجهاز الهضمي وكيمياء الدم. وتتجه كل وظائف الجسد والأعضاء في حالة الحرية الداخلية نحو الاتجاه الطبيعي في الاستقرار والصحة، فتزداد بسرعة قوة العضلات وتتطور رؤيتنا ويتغير إدراكنا لأنفسنا وللعالم نحو الأفضل، فنشعر بسعادة أكبر وحب أكثر وعيشة رغيدة أكرم.
اضافةتعليق
التعليقات