كثيراً ما نحاول الهروب من اتخاذ قرارات وخطوات قد تتسبب في تغيير حقيقي لحياة كُل منا، إما خوفاً من الفشل أو لفقدان الثقة، أو ربما لفشل تجربة مررنا بها في الماضي، أو رُبما لأننا لم نعتد خوض التجربة وتحمُّل المسؤلية أياً كانت النتائج.
وعلى الرغم من أهمية الحرِص والتدقيق في اختياراتنا إلا أن الأثر الجانبي من كّم الفُرص الضائعة والخبرات التي تمر بجوارك وأنت تنظر لها حتى تُصبح جزء من الماضي دون إعطاء نفسك مساحة حقيقية للدخول فيها يتخللُه جزء كبير من الندم أكثر من تلك القرارات التي خُضتها بالفعل ولم يحالفك الحظ فيها.
اختلفت الأسباب والنتيجة واحدة هي ترك الساحة واستمرار الضغط على زِر “الانتظار” أملاً في أن تُلاحقنا الفُرص الضائعة من بين مليارات البشر على كوكب الأحلام في مجرة الأمل، لكن كم عدد المرات التي توقفنا فيها وتعاملنا مع الموقف بدراسة حقيقية تتلائم مع حجمه وقُمنا بتفنيد الاختيارات المطروحة من الواقع المُتاح لنخرج بأفضل مُنتج متجاوزين رهبة النتائج؟.
والواقع أن المفاهيم تختلف من شخص لآخر طبقاً لعوامل كثيرة لذا كان لكُل منا عالمه ورؤيتُه الخاصة التي قد تضيق أو تتسع طبقاً لمُعطيات الواقع الخاصه به والظُروف المتاحه له والرغبة الحقيقية القابعة في نفسه، لكن يبقى العامل المُشترك هو إدراك قيمة تلك الدقائق التي تمُر ونحن مازلنا عابرين على هامش الحياة لم نصنع حكاياتنا بعد!.
تذكر أن الأسهل ليس دائماً الأجمل وأن كُل حكاية تستحق النشر والتوثيق بدأت بقرار على الأرجح به نسبة كبيرة من المخاطرة وهناك نماذج حية ضربت لنا أمثلة في كافة المجالات تستحق التأمُل أو من نطلق عليهم “Risk Takers”، لذا أنصح بكتاب The decision book تأليف Mikael Krogerus and Roman Tschappeler.
والآن إليكم خطوات سهلة التطبيق لاتخاذ القرارات الناجحة:
الخطوة الأولى: مواجهة التحديات وتقليص عدد الاختيارات
عليك أن تُدرك أنه في حالة اقبالك على اتخاذ قرار فإن رد فعلك يجب أن يكون حاسماً تماماً، من المهم أن تكون الخطوات التي اتخذتها لها دور جاد في النتائج، تذكر عندما تحاول قراءة مشهد ما فعليك أن تحاول الانعزال عن أحداثه ورده إلى المبادئ العميقة والأسس الثابتة حتى لا يؤثر أي تشويش أو زيف حوله على رؤيتك، لذا عليك أن تُطلق نظرة من خارج الموقف وتصور ذهني وعقلي مُكتمل يتيح لك خطوات ثابتة في الاتجاه الصحيح.
من الرائع أن تكون شخص متفائل لكن لا تتوقع أن يكون القدر في كفتك دائماً، كُن مستعد للخطط البديلة والطاقة المستدامة التي تضمن لك سهولة الطريق وسلامة الوصول.
تذكر أن الطاقة الحقيقية تكمُن في قدر الإيجابية والإصرار التي تتمتع بها وإدراكك أن الحياة ليست بكل هذا التعقيد فأياً كانت النتيجة تذكر أنه لولا ألم الإخفاق وصعوبة الطريق لما أدركنا قيمة النجاح وشعرنا بنشوته.
كذلك تقليص عدد الاختيارات يما يتيح لك فرصة أكبر في إعطاء قرار سريع مبني على الأولوية والدِقة.
الخطوة الثانية: الخط الفاصل بين الاختيار الصحيح والخاطئ ثم التفعيل وصحة التطبيق
صحة الاختيار أو خطؤه غالباً ما تكون نتيجة لمادة الاختيار نفسها لذا قبل البدء في الاختيار عليك أن تقوم بتحديد ما اذا كان هذا الأمر صحيح ام خاطئ؟ ومن ثم تبدأ بإعطاء نسبة نجاح للاختيار الأفضل ثم تنتقل لوضع خطة كاملة بناء على هذا الاختيار وتتعامل معه كأنه واقع بالفعل.
جميعنا تتم برمجتنا للقيام باختياراتنا بناء على ما تقتديه ظروف الحياة وما يفترضه الواقع وبناء على التصور العقلي ويجب أن تكون قراراتنا نابعة عن تحليل الموقف ورؤية أكثر الاختيارات عقلانية، ومن الجدير بالذكر أن تفعيل القرار يقتضي أن نعطي حجماً أكبر للاختيار الذي يجعلنا نشعُر بالراحة.
أو من جهة أخرى يجب أن ينبع القرار بناء على جانب عاطفي أيضاً، أي أنه يجب أن يكون نتيجة لرغبة حقيقية من المرء حتى يكتسب صدق الوصول وعزيمة الجد فيه، يجب عليك أن تحطاط بكافة المعلومات حول قرارك وأن تتوقع العقبات وتقوم بتفعيل خطواتك بناء على التوازن بين الرغبة الداخلية والاختيار العقلي، تذكر دائماً أن القرار الأفضل هو نتاج إحساس وتفكير.
الخطوه الثالثة: التوقيت
وحين نتحدث عن التوقيت فلابد أن نذكُر الصبر، تذكر أن صبراً أكثر يعني معلومات حول قرارك أكبر وهذا بالتحديد ما يتمتع به أي ناجح خاصة في مجال ريادة الأعمال وسوق العمل.
قدرتك على التواصل مع من هم حولك هامة جداً ويمكن أن تختزل عامل الوقت بنسبة كبيرة، ففي كل موقف مصيري عليك أن تسأل من هم أكثر حكمة وخبرة وعمقاً في رؤية الأمور، النصيحة عامل هام في وضعك على الاتجاه الصحيح وربما الخاطئ لذا عليك الانتباه فأنت طبيب نفسك.
عليك أن تُعطي السؤال حقه من ماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وفي أثناء كل خطوة من اتخاذك للقرار عليك أن تخرج بقائمة جديدة للخطوة التالية حتى تقوم بتكوين صورة مجمعة تضمن لك سيراً مرتباً ورؤية أكثر وضوحاً.
الخطوة الرابعة: المقاومة
ماذا تعرف عن الحدس؟ اعتقد أننا جميعاً لدينا تصور كامل.. عن ذلك الإحساس الغريزي الذي غالباً ما يعطينا مؤشر للأمور، في الواقع الحدس هو نتيجة للتوازن بين الرغبة العاطفية والنشاط العقلي، وهو أداه مناسبة وقوية جداً لاستشعار المواقف والبتّ فيها، وعلى الرغم من أهمية الحدس إلا أن كثيرين منا يقومون بتهميشه أو بالأحرى البعض لا يعترف أننا نُفضِل في كثير من المواقف تهميشه.
والمقاومة التي أُشير اليها هي القدرة الأوتوماتيكية على تجاهل هذا الصوت في داخلك ما بين شقوق أفكارنا، ذلك الصوت الذي قد يستحثك للقيام بشيء أو رفضه، الأمر يحتاج للتدريب والإرادة لفهم أن طاقاتنا الحقيقية وقدرتنا على التأثير فالواقع قابع في داخلنا نحن.
فقط تحتاج ثقه بالنفس وتمرين مراراً وتكراراً ، يمكن القول أنها تعمل كعضلات الجسد كُلما زاد الجهد أصبحت أقوى.
ومن أجل هذه الخطوة تحديداً عليك أن تُجرب الأمر، ولا تقرأ من أجل القراءة فقط!.
الخطوة الخامسة: صناعة الاختيار
والآن وصلت لنُقطة صناعة القرار، إنها نقطة الاختيار، لقد قمت ببذل أقصى جهدك وأنت الآن مُستعد!.
وفي هذه النُقطة تحديداً عليك أن تسير بمبدأ “لا يوجد قرار صحيح أو خاطئ، ببساطة يوجد قرار وعليك اتخاذه”، عليك أن تشعر بالثقة والهدوء حيال اختيارك، لأن حكمتك طوال حياتك سوف تُلهمك، ولتجعل حكمتك تلك “أنت لن تفشل لذا توقف عن المحاولة”، ببساطة ثق بنفسك.
بالنهاية لا شيء يبقى على حاله، الأشياء دائماً ما تتغير وتتبدل من حولك حتى الأرض تدور حول نفسها طوال الوقت وأنت لا تقف تحت نفس السماء مرتين!.
الحياة مرحلة قصيرة جداً على أن نترك شيئاً دون أن نُجربة وأقصر إذا تعلق الأمر ببطئ اتخاذ القرار، بالنهاية قرارك في شيء مهما بلغ من السوء لن يكون أمّر من حقيقة إننا جميعاً سنرحل ذات يوم، بالنهاية نرحل ونبضُ القلوب لن يتوقف نرحل ويبقى الأثر.
لحظة اتخاذ القرار
جلس في مكتبه الفخم يتأمل الأثاث، وتوزيع الأضواء، ويستعرض شريط حياته الذي يمتلئ بسنوات اليأس، وأيام الانكسار.
دخل مدير المكتب، وفي يده ملف ضخم، أخرج منه ورقة ترشيحات رؤساء مجالس إدارة الشركات التابعة له:
_هذا الموضوع مستعجل.
_حسنًا دعه هنا، واتركني ربع ساعة.
كان عليه أن يختار من بين ثمانية عشر اسمًا ستةَ أشخاص لستِّ شركات.
هناك أربعة عليهم توصية، أشَّر عليهم بسرعة، أما الخامس فتوقف عنده قليلاً، ثم قبِله لعدم أهميته.
بقي السادس ينافسه اثنان يصغرانه سنًّا، ويقلان عنه في الخبرة، لكنه كان أحد الذين عارضوه أثناء الأزمة، وصرحوا بذلك في الجرائد.
فكر أن يختار التالي له مباشرة، لكنه عاد فقال لنفسه: ولماذا لا آخذ الثالث نكاية فيه!.
ضغط على الجرس، دخل مدير المكتب، سلمه ورقة الاختيارات النهائية تمهيدًا لإصدار القرار، ثم راح ينظر في أثاث مكتبه الفخم، ويتأمل توزيع الأضواء!.
المصادر:
اضافةتعليق
التعليقات