أطفال كالورود تلوح براءتهم فوق الجبين بين أشعة شمس الصيف اللاهبة وبرد الشتاء القارص يجوبون الشوارع بملابسهم الرثة وعلى ظهورهم الغضة أكياس (الجنفاص) يتنقلون بين أكوام النفايات بحثا عن قناني البيبسي أو قطع الكارتون، لم تترك لهم الحياة الصعبة سوى فرصة واحدة ألا وهي البحث عن لقمة العيش بالحلال وإن كان في هذا العمل.
تحدث إلينا الصبي يوسف عباس بعدما سألناها لماذا اخترت هذا العمل: إني أجده عملا بسيطا فهو لا يكلفني رأس مال كما لا يتطلب مني حرفة، وأنا سيد نفسي فلا أجد رب عمل يحاسبني وقد اعتدت الأمر وأنا أعمل به مع إخوتي، وبعد أن نكمل عملنا حتى الظهيرة نذهب لبيعها لمعامل التدوير.
مشكلة بالغة الصعوبة
يعد الفقر أهم أسباب انتشار مشكلة عمالة الأطفال في الكثير من المجتمعات ما يجعل من أمر معالجة هذه المشكلة بالغة الصعوبة نظراً لاستحالة القضاء على الفقر، حيث رصدنا خلال جولتنا العديد من الأعمال غير المرغوب بها أو ليست مناسبة لعمر الأطفال.
(بشرى حياة) تنقلنا اليوم إلى العالم الموازي لطفولة احتضرت في ثنايا العمالة المبكرة...
عمل جماعي
التقينا صاحب معمل لتدوير البلاستك السيد شاكر مرزوق حدثنا قائلا: هناك الكثير من الأطفال تعمل بجمع قناني البيبسي أو قناني المياه المعدنية وأيضا الكارتون وليس فقط الأطفال بل هناك عوائل كاملة تخرج للعمل بشكل جماعي بهذا الجانب إذ تنطلق للتجوال في الأزقة بين النفايات ثم يأتي رب الأسرة لبيعها لنا وبدورنا نقوم بإعادة تصنيعها.
وحول تدخل الجهات الرقابية قال: ليس هناك مسائلة قانونية بهذا العمل لأن الأب من يحضر لنا البضاعة وليس الأطفال وهناك نساء أيضا تمتهن هذا العمل.
ضحايا أسرية
فيما اعتادت الطفلة رقية على التجول في أزقة المدينة القديمة وسط كربلاء تحمل صندوقا مليء بالترب لعلها تجمع مالا يكفي لقوت يوم عائلتها وقد اعتلت تقاطيع وجهها ملامح الجهد والاعياء.
بينما شهد أبو كريم وهو صاحب كافتيريا على منصة شارع رئيسي مصرع الطفل عباس الذي كان يتجول بين اشارات المرور يبيع المناديل الورقية حدثنا قائلا: اعتاد مجتبى شراء ما يسد جوعه مني (لفة) سألتها يوما عن اسمه وعن والده فقال لي بكل براءة (ابويه ازوج وعافنه....) .
رؤية اجتماعية
تؤكد الباحثة الاجتماعية بتول ناصر أن عمالة الأطفال تنتج إما عن الفقر الشديد أو جبروت الأب المقترن بالجشع (الطمع) فالأب يساهم بجزء كبير بهذا الجانب فإما يكون قاسياً ويرغمهم على العمل قسرا وترك مقاعد دراستهم لزيادة دخله أو يتخلى عن مسؤوليته كأب ليقترن بزوجة أخرى ويتركهم، أو يمكث في البيت غير مباليا مستخدما لغة الضرب المبرح إن عصوا له أمرا.
وهذا لا ينطبق على جميع الآباء فهناك من يحتاج مساعدة ابنه إذ كان يعاني من أمراض مزمنة أو من ذوي الاحتياجات الخاصة فلا سبيل أمامه سوى التضحية بمستقبله الدراسي ليكون خير سند له ولأخوته.
وأضافت: ظاهرة اشتغال الأطفال هي ظاهرة دولية حيث لم يعد هناك احصائيات ثابتة لها، وهي تنتج عن عيش الكثير من العوائل تحت خط الفقر الذي هو ناجم من سوء توزيع الثروات في كل البلدان والتي تتأثر غالبا بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وإن لم توضع حلول جذرية لهذه المؤثرات ستبقى هذه الظاهرة تطفو على القاع إلى ما لا نهاية.
وأكدت ناصر: إن المواجهة الأولى للقضاء على عمالة الأطفال الناتجة من الفقر هي بالتعليم فكل إنسان يستطيع أن يحصل على التعليم الجيد واكتساب المعرفة والمهارات يمكنه أن يخرج من هذا النطاق حتى وإن كان منتمياً لعائلة فقيرة، فمن الممكن أن يوفق الطفل البالغ السن القانوني بين العمل والدراسة فيكون لهذا الفرد دوراً كبيراً في انتشال أسرته من الطبقة الفقيرة إلى الوسطى، ومن ثم الغنية، فالتعليم هو السلاح الأول للخروج من الفقر والتنمية البشرية.
ختمت حديثها: ولا ننسى بالذكر دور وزارة العمل في معالجة هذه المشكلة (عمالة الأطفال) حيث شكلت هيئة الطفولة لتهتم بهذا الجانب وذلك من خلال اقامتها مؤتمرات سنوية تقدم بحوث وبرتوكولات مع منظمات دولية لمكافحة هذه الظاهرة.
كما هناك فرق متجولة تجري جولات تفتيشية في المشاريع كالمصانع والمعامل والورش لرصد أي مخالفات واتخاذ الاجراءات القانونية بحق صاحب العمل لتشغيله طفل دون السن المقرر له، حسب قانون وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
اضافةتعليق
التعليقات