قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف:١٥٧)
جاء الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ليَفِك عن الإنسان قيود نفسه ذات الأهداف الدنيوية المحدودة، ولتحرير ذاته لتصبح من الذوات الطماحة لبلوغ الفلاح، ولكشف الحجب عن بصيرتها لترى ما هو أبعد من حدود هذه الدنيا وملاذها وزينتها، فمن سار وفق ما أتى به نبي الرحمة، ووفق المنهج الإلهي، وأطاعه في أوامره ونواهيه فإنه سيتمتع بما في الدنيا ويتزود منها لما ينتظره في حياته الأخرى.
فمما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنه قال: [من أمسى وأصبح وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافى في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فإن كانت عنده الرابعة، فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الإيمان](١).
هنا يوجه النبي (صلى الله عليه وآله) بوصلة اتجاه الإنسان تجاه النعم وفق ما يجلب له الفلاح، وبما يبقي نظرته لسُلم أولوية النِعم سليمة، وطريقة تصنيفه لأهميتها واضحة، فلا ينشغل بالأدنى وينسى الأعلى، ووفقا لذلك تترتب حالته الشعورية بالرضا والهناءة والسعادة التي سيعيشها، وتنظم خطته الحياتية التي يعيش وفقا لها.
ومن لنا قدوة أعظم من خاتم الرسالات السماوية صلوات الله عليه وآله، يُمكن أن نتعلم منه كيف تكون نظرتنا للنعم؟ فقد بدأ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنعمة العافية البدنية، فكم من يصبح ويمسي وهو معافى ببدنه، لا يعيقه ألم، ولا يضعف همته وجع، ولا يعوزه فقد عضو من أعضاءه عن ممارسة حياته، إلا إنه مغبون بإدراكه لعظيم هذه النعمة التي يملكها، والتي دونها لا يتمكن أن يهنأ بأي نعمة أخرى.
ثم ذكر نعمة أخرى وهي حالة الآمن في طريقه، أي وجود حالة من الراحة الباطنية، والاستقرار الداخلي لأنه يسير وهو على بصيرة من أمره، وسلامة في عقيدته. كما تعلمنا بضعة الرسول (صلوات الله عليها) في تعقيب ورد تقول فيه: "الحمد لله الذي لم يجعلني جاحداً لشيء من كتابه، ولا متحيراً في شيء من أمره. والحمد لله الذي هداني لدينه ولم يجعلني أعبد شيئاً غيره".
ثم ذكر إن كان رزق الإنسان جاريا- ولو بمقدار الكفاف- فيكون قانعا بما في يديه، طالما ما عنده يجعله ممن لا يحتاج أن يطرق باب أحد، فالذي هيأ أسباب رزق اليوم، سيعطيه في الغد، فغالبا الانشغال بتحصيل رزق الغد يسلب الانسان التنعم بما عنده اليوم، السعي مطلوب ولكن الانشغال والاغتمام هو ما لا يصح.
ثم ذكر نعمة هي رأس كل النعم، وكما عبر الخاتم بأن من نالها بلغ تمام النعم ألا وهي الإيمان، فبالإيمان يسلم القلب والقالب، ويصلح العمل والمسير، ويدر عليه الرزق الكريم، المادي والمعنوي، لذا اختصرت قصة الفلاح في سورة المؤمنون بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، فالإيمان بالخالق، الرازق، المدبر، المنعم هو الذي يوجب استشعار قيمة هذه النعم في حياة صاحبها.
ففي زمن قل فيه الإيمان وكثرت به انشغالات الإنسان، أصبح من الخاسرين، فعلى المستوى الفكري هو لا يكون على درجة من الوعي بقيمة هذه النعم الأساسية التي هي رأس ماله كالصحة والأمان والرزق الحلال فيكون ليس بمفلح في نظرته وتقييمه لما لديه، وعلى المستوى العملي لأنه لا يدك قيمة هذه النعم هو لن يحفظها ولن يستثمرها ويسخرها بما هو نافع له ولغيره، وهذا هو الخسران المبين، لذا من الجيد أن يكون حديث نبينا هذا حاضرا أمامنا دائما كي نكون من المفلحين.
_______
اضافةتعليق
التعليقات