"لا أنصح أبدًا بالكذب والخداع، لا سيما إذا كانت ذاكرتك ضعيفة، فالكذب أسوأ عدو قد يحظى به أي إنسان. مهما كانت الظروف، ستجد الحقيقة أعز أصدقائك". - أبراهام لينكولين
بالرغم من أن مصطلح الاختلال النفسي مقبول بشكل عام، فقد تم استخدامه في بعض الأحيان بشكل غير صحيح. فكثير من الأشخاص يستخدمون هذا المصطلح بمنتهى البساطة للإشارة إلى أي شخص لا يعجبهم، ولكنه تبسيط مخل للغاية. للأسف هذا الاستخدام الشائع والمتساهل مع مصطلح المختلين نفسيًا جعلنا لا نشعر بمدى خطورة هؤلاء الأشخاص، بل وأحيانًا ننسى وجود المختلين الحقيقيين في سبعينات القرن الماضي، في السويد، كان يُنظر إلى المصطلح نفسه باعتباره وصمة عار، لذا، لجأ علماء النفس والمعالجون إلى استخدام تعبير بديل، وهو من يحتاجون إلى رعاية خاصة.
في الثمانينيات، عادوا إلى تسمية المختلين نفسيًا باسمهم الصحيح. وطوال الوقت، يقترح البعض عددًا من العبارات والمصطلحات البديلة لتلطيف وقع التسمية على الأسماع، لكن سيكون من الخطر إخفاء سلوك الاختلال النفسي وراء كلمة رنّانة لا يفهم أحد فحواها.
هل يمثل المختلون نفسيًا مشكلة فعلية؟
على أقل تقدير، يعتبر الاختلال النفسي شائعًا بنفس قدر شيوع مرض الفصام الفارق هو أن أفعال المختلين نفسيًا أسوأ بكثير مما قد يقدم عليه مرضى الفصام، والعواقب النفسية المدمرة لأفعال المختلين هائلة من وجهة نظري الشخصية، أرى أنهم مسؤولون عن كثير من الصفقات التجارية المشبوهة والمحفوفة بالمخاطر، وعن الابتزاز العاطفي والخداع والاحتيال، وعن السرقات الكبرى والجرائم المنظمة وعن بيع المخدرات. إلى جانب المعاناة الهائلة التي تسببوا فيها نتيجة الحروب العنيفة التي لا تنتهي، والكثير من جرائم القتل والعنف والاغتصاب والاعتداء على الأطفال والتعذيب والاتجار بالبشر.
إن هناك عددًا كبيرًا من المختلين نفسيًا يشغلون مناصب عليا في حكومات العديد من الدول، في جميع أنحاء العالم. ويكثر وجودهم أيضًا بين قادة الجيوش بلا أدنى شك. السلطة والنفوذ أمران في غاية الأهمية بالنسبة للمختلين نفسيًا، عندما يرى المختل نفسيًا أنه قادر على شق طريقه إلى القمة، فإنه سيسعى للوصول إليها، بكافة السبل والوسائل.
الغالبية العظمى من المختلين نفسيًا لا يرتكبون جرائم واضحة لكنهم بيننا، يعيشون مثل أي شخص آخر، باستثناء أنهم يرتدون قناع الحياة الطبيعية.
ومن سمات المختلين نفسيًا:
- اللباقة والجاذبية الخارجية
غالبًا ما تكون الحصيلة اللغوية للمختلين نفسيًا كبيرة بشكل مذهل. يمتاز العديد منهم بالقدرة على التحدث بسرعة كبيرة، ولن تتمكن دائمًا من مواكبة أفكارهم وأحاديثهم.. وبرغم أن كثيرًا مما يقولونه غير منطقي وغير مترابط تمامًا، لكن لديهم القدرة على جعلنا نصدق أنه حقيقي.
- تقدير مبالغ فيه للذات
يعتقد المختلون نفسيًا أنهم أفضل من الجميع، ويؤمنون بأنّ قيمتهم أكبر ممن حولهم، وأنهم يستحقون نجاحًا أعظم في حياتهم عن أي شخص آخر. العديد من المختلين نفسيًا نرجسيون بالمعنى التقليدي للكلمة أي لا يحبون إلا أنفسهم. يجدون سهولة كبيرة في التباهي بنجاحاتهم الحقيقية أو المتخيلة، ويعتقدون أنهم فوق كلّ القوانين، بل ولديهم قوانينهم الخاصة.
- عدم تأنيب الضمير أو الشعور بالذنب
عادة لا يتمتع المختلون نفسيًا بالقدرة على الشعور بتأنيب الضمير. يمكنهم التظاهر بالندم عندما يتطلب الأمر منهم ذلك، لكن لا يتجسد ذلك واقعيًا في أفعالهم. لا تزعجهم فكرة إيذاء الآخرين، بغض النظر عما إذا كان هؤلاء الآخرون ألد أعدائهم أو أبنائهم، لأنهم لا يهمهم إلا أنفسهم.
- القسوة وعدم التعاطف
يدرك المختلون نفسيًا أنك تشعر بشيء ما، لكنهم غير مهتمين إطلاقا بماهية هذا الشعور.. معظم المختلين نفسيا يفتخرون بأنهم لا يتأثرون بالتعاطف، ويعتبرونه من اضطرابات الشخصية..
- الكذب المرضي
تنطبق على المختلين نفسيا مقولة يكذب مثلما يتنفس؛ لا يحتاج الكذب بالنسبة إليهم لأي مجهود على الإطلاق. يمكنهم تحوير وتغيير مسار الكلام قبل أن يرتد إليك طرفك..
- المكر والتلاعب
يقرأ المختلون نفسيًا نقاط ضعف الآخرين بسهولة،.. لا يبالون إطلاقًا بمشاعر الآخرين، مما يجعلهم بارعين في ممارسة التلاعب والحيل النفسية. ولأنهم لا يخشون من اكتشاف حقيقتهم، يُقدمون على مخاطر هائلة ويتصرفون بجرأة كبيرة يصعب معها تصديق أننا نتعرض للخداع بهذه الطريقة المكشوفة.
- التأثر السطحي
مشاعر المختلين نفسيًا لا وجود لها. لا وجود للخوف، أو الفزع أو القلق، أو الشعور بالندم أو تأنيب الضمير؛ لا شيء على الإطلاق.. لكن تذكر أن المختلين نفسيا لديهم القدرة دائمًا على التظاهر بامتلاك تلك المشاعر.
- الاندفاع
يعيشون المختلون نفسيًا في اللحظة الراهنة، دون تخطيط للمستقبل. إذا شعروا برغبة واندفاع مفاجئ لتناول الطعام، فإنهم يأكلون. لا يقضون أي وقت في محاولة الموازنة بين مزايا وعيوب أي شيء. فكرة تحليل عواقب أفعالهم غائبة تماما بالنسبة لهم، وهو ما يؤدي إلى سقوطهم في النهاية.
- عدم السيطرة على السلوك
على الرغم من أن المختلين نفسيًا يتسببون في انتهاكات مروعة لمن حولهم، فإنهم يشعرون بالإهانة بمنتهى السهولة. من الممكن أن يؤدي أدنى خطأ أو تعليق إلى نوبة غضب عارمة وعنيفة من المختل نفسيًا إذا رأى في ذلك استفزازًا.
- الحاجة إلى التحفيز
يحتاج المختلون نفسيًا إلى دفعات من الدوبامين، من أجل الإثارة والتيقظ. إذا لم يتمكنوا من فعل الأمور الجنونية بأنفسهم للوصول إلى الإثارة، يحاولون حمل الآخرين على فعل تلك الأمور.
- عدم تحمل المسؤولية
غالبًا ما يفلت المختلون نفسيًا من العواقب لأن هناك كثيرًا من الأشخاص الآخرين الذين يتحملون مسؤولية ما أهملوا ..
- مشكلات سلوكية مبكرة
يظهر على معظم المختلين نفسيًا سلوكيات منحرفة قبل سن الثانية عشر. قد تتمثل تلك السلوكيات المنحرفة في أي شيء، من القسوة على الحيوانات أو العنف تجاه الأطفال الآخرين إلى السرقة والكذب دون أدنى شعور بالقلق أو الخوف.
- سلوك معاد للمجتمع بعد البلوغ
المختل نفسيًا لا يعبأ بتقاليد المجتمع وأعرافه. لا تنطبق عليه تلك القواعد التي تنطبق على الجميع؛ لأن هذه القواعد تقيد حريته في فعل ما يشاء، لذا يضع قواعده الخاصة.
- نمط المعيشة الطفيلي
يعتقد المختلون نفسيًا أن صفاتهم وإمكاناتهم الرائعة - من وجهة نظرهم تؤهلهم وتمنحهم الحق في العيش على حساب الآخرين...
- غياب الأهداف الواقعية بعيدة المدى
لا يخطط المختلون نفسيًا لأي شيء؛ لأن التخطيط يتعارض تمامًا مع أسلوبهم المندفع والانفعالي.
- عدم تقبل تحمل مسؤولية أفعالهم
مهما بلغ جرم ما فعله المختلون نفسيًا، لن يعترفوا بذلك أبدًا. دائمًا ما يلقي المختل نفسيًا باللوم على شخص آخر. حتى إذا فهموا أنهم ارتكبوا خطأ ما، سيقدمون كبش فداء لتحمّل اللوم وتلقي العقوبة..
- ارتكاب أعمال غير قانونية (إجرامية) بسيطة في سن صغيرة
غالبًا ما تبدأ سمات الاختلال النفسي في الظهور بوضوح من سن العاشرة تقريبا، وتتسبب في الكثير من المتاعب عندما تظهر في ذلك السن الصغير.
18 . خرق شروط الإفراج المشروط
إنهم لا يأبهون بالتهديدات الطبيعية المصاحبة لعواقب أفعالهم، لأنهم يفتقرون إلى القدرة على التفكير في العواقب...
- ارتكاب جرائم مختلفة ومتنوعة
عادة ما تجد مرتكبي الجرائم متخصصين في نوع واحد من الجرائم مثل سرقة السيارات أو السرقة بالإكراه أو الاعتداء أو المخدرات بينما المختلون نفسيا تجدهم أكثر تنوعًا. إنهم فضوليون إلى حد ما، ويحاولون تجربة كل شيء.
عند محاولة تقييم سلوكياتك، من الطبيعي أن تحصل على درجة أعلى من الصفر في بعض السمات المذكورة. هل هذا يجعل منك مختل نفسيًا؟ بالتأكيد لا.
هناك الكثير من الأشخاص الذين تظهر عليهم بعض سمات الاختلال النفسي دون غيرها، ودون ارتباط بسمات اختلال نفسي أخرى، ولا يجعلهم ذلك مختلين نفسيًا بالمعنى التشخيصي والعلمي للكلمة. لكن، بطبيعة الحال، كلما زاد عدد السمات التي يحصل فيها الفرد محل التقييم على درجة أعلى من الصفر، يصبح الوضع أسوأ بالنسبة لمن هم حول هذا الشخص.
هناك الكثير من الأشخاص المندفعين وسريعي الانفعال، وهناك العديد من الأشخاص الجذابين، وهناك أشخاص يتميزون باللباقة وإتقان الحديث، وهذا لا يجعلهم مختلين نفسيًا. بل وهناك قتلة متسلسلين ليسوا مختلين نفسيًا أيضًا، هناك الكثير منهم يعانون من أمراض عقلية، وهو أمر مختلف تمامًا.
لكن ألا يعتبر الاختلال النفسي نوعًا من الأمراض العقلية؟
الاختلال النفسي ليس مرضًا عقليًّا، لأن المرض العقلي يعني أن العقل ليس في حالة طبيعية، ويُستخدم مصطلح المرض النفسي أو العقلي في الحالات المرضية المؤقتة، القابلة للعلاج. هناك أمراض قد تؤدي إلى حالة من الذهان الاضطراب العقلي مثل: الفصام والاضطراب الفصامي والاضطراب الوهامي. كما يمكن أن تظهر أعراض ذهانية على مرضى الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول ومرضى الاكتئاب الشديد.
وفي المقابل، يستخدم مصطلح الاختلال النفسي للتعبير عن اضطراب بالشخصية، لذا لا يعتبر اضطرابًا أو مرضًا عقليًا أو نفسيًا. هناك اعتقاد كبير بأن أسباب الاختلال النفسي وراثية إلى حد كبير، لكن النشأة غير المواتية في الطفولة وإصابات الدماغ في مرحلة مبكرة قد تلعب دورًا في بعض الأحيان. الاضطراب العقلي يعني أن يشعر الشخص نفسه بالسوء لدرجة التسبب في معاناة بالغة لنفسه، عقليًّا واجتماعيًا وربما اقتصاديًا.
من الممكن أن تظهر الأمراض أو الاضطرابات العقلية بطرق مختلفة بعض الاضطرابات العقلية تؤدي إلى صعوبات ومعاناة اجتماعية؛ لأنها تظهر بوضوح في السلوكيات أو الكلام، ويُحرم الشخص المريض في هذه الحالة من التعبير عن نفسه وشخصيته بشكل كامل. يتم تصنيف الاضطراب من وجهة نظر الشخص المريض، ومقدار الصعوبات والتحديات والمعاناة التي يمر بها.
ويضع التصنيف في اعتباره أيضًا فهم الشخص المريض للحياة الواقعية ودرجة وعيه بذاته. هذا التمييز مهم للغاية لفهم الفارق بين الاختلال النفسي والمرض العقلي. وعلى عكس الشخص المريض باضطراب عقلي، لا يشعر المختل نفسيًا أنه مريض على الإطلاق. في الواقع، يعتقد المختلون نفسيًا أنهم أسوياء من الناحية النفسية والعقلية، بل وأفضل ممن حولهم. لكن يظل بإمكانهم التظاهر بالمرض إذا كان ذلك يخدم أهدافهم.
لا يصبح المختلون نفسيًا على تلك الشاكلة لأنهم تعرضوا إلى التنمر في المدرسة، وليسوا من التعساء الذين يجدون صعوبة في الانسجام ولا يدركون كيف يحيلون كلّ ما يلمسونه إلى فوضى بسبب سوء تقديرهم للأمور.
المختلون نفسيًا هم أشخاص غير طبيعيين وفقًا لمعاييرك ومعاييري، لكنهم في نفس الوقت على علم تام بما يفعلونه. بعبارة أخرى، من وجهة نظر هؤلاء المختلين نفسيا، فإنهم يأتون في ترتيب أعلى في السلسلة الغذائية، فوق الجميع.
الفارق بينك وبين المختل نفسيا هو الحس الأخلاقي. أنت تشعر وتقيم بكلّ حواسك ما هو صحيح وما هو خاطئ، وتهتم بالآخرين. إنك لن ترغب في إيذاء أي شخص من حولك بشكل متعمد. حتى إذا شعرت بالرغبة في ذلك في بعض اللحظات تتراجع وتشعر بالندم على مجرد التفكير في ذلك. هذا من بين عوامل أخرى كثيرة، ما يجعلك إنسانًا. أما المختل نفسيًا، فلا يشعر بأي شيء. إنه يفعل ما يريد فعله، لأنه يعتقد بيقين مطلق أن لديه الحق في ذلك. يدرك المختلون نفسيًا أنهم يخاطرون بأن ينتهي بهم المطاف في السجن نتيجة بعض أفعالهم، لكن لا يقنعهم ذلك بالتوقف. وفقًا لمنطقهم وطريقة تفكيرهم، لن يتم القبض عليهم قط. ويُقدمون على المخاطر ببرودة أعصاب ويفترضون أنهم سيتمكنون من الإفلات من أي عقوبة مهما فعلوا. وإذا حدث ووقعوا في شر أعمالهم، سيتوصلون إلى طريقة يتمكنون بها من إلقاء اللوم على شخص آخر عما اقترفوه بأنفسهم المختل نفسيا قد يلقي باللوم على أخيه دون تردد إذا كان ذلك سيساعده على الإفلات من العقاب.
إنهم لا يتأثرون لمعاناتك ولا يبالون إذا تحطمت حياتك بالكامل أو خسرت عملك بسببهم. إنهم لا يشعرون بأي تأنيب ضمير ولا ينظرون وراءهم للنظر في أفعالهم وعواقبها.
يعتمد المختلون نفسيا على ظهورهم بسلوكيات طبيعية ومظهر طبيعي. لكنهم ينفذون أفعالهم الخبيثة بذكاء وبحساب ودون مراعاة للآخرين. إنهم يفكرون، ولكن لا يشعرون.
من كتاب (محاط بالمرضى النفسيين) توماس إريكسون
اضافةتعليق
التعليقات