ضَمني وبعض بنات الاسلام مجلساً جرنا الحديث فيه إلى حقوق المرأة في البيت والمجتمع ومدى تركيز كيانها في الأوساط المسلمة، فإذا بأحداهن تنبري لتقول بحرارة وألم؛ إن المرأة في الإسلام مهضومة الحق، مهيضة الجناح، لا تعدوا أن تكون سلعة في أيدي الرجال تتقاذفها أهواء الآباء والأزواج فهي إما تباع للزوج بيع الإماء أو تقدم لهُ هدية متواضعة كعلبة من الشوكلاتة.
وكنت أستمع إليها وهي مندفعة بثورتها الظالمة التي قامت على مفهوم خاطئ، تولدت نتيجة اهمال المسلمين العارفين بحقيقة الاسلام لاظهار صفحته المتبلورة البيضاء، وبعد أن أتمت ترجيع كلماتها التي أخذتها من ألسن السوء بدون وعي أو قصد، قلت لها وكُلي شفقة على هذه الزهرات اليانعات التي أطاحت بها الريح السامة إلى حيث الوحل.
قلت لها على مهلك يا صاحبتي إنك المسكينة، دعيني أحدثك حديث الأخت الناصحة التي لا تريد لك ولأمثالك إلا الخير والصلاح والعزة والكرامة، فما أنا إلا أنثى مثلكن أشعر بما تشعرن به وأحس ماتحسنه، وطالما ثرت لكرامتنا المُضاعة على أيدي رجال ظلموا الإسلام حقه، فانتسبوا إليه وهو منهم براء، وما أكثر مانقمت على الأوضاع الهمجية التي سيطرت على بعض أخواتنا الضعيفات هذه الأوضاع التي لم يُنزل الله بها من سلطان، التي خلقها بُعدنا عن روح الإسلام وتعاليمه الحكيمة.
نعم ثرت كما تثورين واندفعت وراء غضبي كما تنفعين، ولكن لا على الإسلام الحبيب. ولا على رسالته القدسية بل على المجتمع الفاسد وعلى أبناء وبنات الإسلام العاقين له المارقين على مُثُله وتعاليمه. والذين كان سلوكهم المعوج مبعثا لهذه الصيحات الباطلة لاستبدادهم بمصير الفتيات وفرض سلطتهم القاسية في تقرير مستقبلهن على ميولهن ورغباتهن الخاصةن وحسب مصالحهم الذاتية دون استثارتهن، ولكن الإسلام يا أختاه مبدأ زاخر بجميع ما تصبو إليه النفس البشرية، حامل في تعاليمه شتى أنواع السعادة والهناء، وقد انبثقت رسالته لتمحق الظلم لا لتظلم ، وجاءت لعقاب الظالم لا لخلق جيل ظلوم.
وقد حمل – في أكثر ما حمل- الخير للمرأة المسلمة التي كانت من قبل ضائعة بين أنياب الجاهلية، والعادات القبلية في الشرق، والقوانين الزمانية في الغرب حتى قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قولته الخالدة {النساء شقائق الرجال}.
وقد أعطاها الامكانيات التي تخولها حفظ جميع حقوقها الاجتماعية في جميع الميادين التي تتفق وكيانها الخاص. ولنضرب لذلك مثالا بالأمر الذي ذكر في مطلع حديثك وهو حريتها في اختيارها الزوج.
فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقد ذكر حديث تزويج فاطمة (عليها السلام) وأنه طلبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ياعلي إنه قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهية في وجهها، ولكن رسلك حتى أخرج إليك، فدخل عليها فأخبرها وقال (صلى الله عليه وآله) أن عليًا ذكر من أمرك شيئا فما ترين فسكتت، ولم تول وجهها ولم ير منها الرسول كراهة، فقام وهو يقول {سكوتها اقرارها}.
وقد جاء الحديث عنه (صلى الله عليه وآله) {تستأمر البكر ولا تزوج الا بأمرها}، وقد استشار رجل الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في تزويج ابنته من ابن أخيه فقال: {افعل، ويكون ذلك برضاها، فإن لها من نفسها حظًا}.
نعم هذا هو الإسلام بمعناه الصحيح، وهذه هي أحكامه العادلة التي ارتفعت بالمرأة إلى أفق الحرية والكرامة في عصر ما كان يقيم للمرأة أي حساب.
ولكن الذنب ذنبنا نحن المسلمين، بعد إذ انحرفنا عن جادة الاسلام، وتجاهلنا أن لنا في اسلامنا حقوقًا قلما ظفرت بها حضارة من الحضارات وحتى الآن، والجرم جرم الذين عرفوا الحق ولم يظهروه، وسكتوا عنه وتركونا لأبواق الدعايات المغرضة، وللتعاليم العدائية التي تصل تحت مفهوم التمدن والتحضر.
ولكن لي وطيد الأمل أنكن سوف ترجعن إلى احضان الإسلام الرحب عاجلا أو آجلا إن شاء الله بعد أن تفشل جميع الأنظمة عند التطبيق، وسوف تجدن في نظام الإسلام نظاما مثاليا خالدا يحقق للمرأة سعادتها وكرامتها، وقد وعدنا الله نصره والله لا يخلف الميعاد..
اضافةتعليق
التعليقات