قد يكون الحديث عن الخيانة الزوجية في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا أشبه بالدخول في حقل ألغام، نظراً لحساسية الموضوع الشديدة، ثم لقلة الحالات في هذا الشأن لما يتمتع به مجتمعنا من مبادئ وتقاليد تحفظ عليه سلوكه العام وتجنب الكثير من الأسر مزالق الخطيئة والزلل، إلا أننا لا ننكر بعض الحالات هنا وهناك تسير بها ظروف أشخاصها أحياناً للوقوع بهذا الخطأ، والخيانة الزوجية بلا شك تعد مشكلة تهدد بعض البيوت بالتصدع والانهيار، وقد تكون ذات آثار سلبية على نفسية الأبناء الذين تهتز في عيونهم صورة والديهم القدوة والمثل.
تُعرف الخيانة الزوجية: بأنها كل فعل شائن يأتي به أحد الزوجين يعد اعتداء على حقوق الزوج الآخر، أو يمكن تعريفها بأنها كل ما يأتي به أحد الزوجين من الأفعال الجنسية المحرمة أو المحظورة مع الغير مما يضر بالزوج الآخر.
الخائن: هو شخصٌ أنانيّ لا يُراعي مشاعر غيره، فهو يتصرّف تبعاً لمصلحته التي يُفضلها على كُل الأشخاص من حوله مهما كانوا مقربين منه، ولا يضع اعتباراً للثقة التي قد يمنحه الشخص إياها.
أسباب الخيانة الزوجية
هناك بعض الأسباب التي تؤدي إلى الخيانة بين الأزواج:
١/ البعد عن الدين والأخلاق، ولا يُقصد الدين الإسلامي على وجه الخصوص؛ لأنّ كافة الأديان السماوية تُحرّم الخيانة وترفض جميع أشكالها.
٢/ كما أن غياب الخوف من الله عزّ وجل سببٌ رئيسي لدفع الشخص نحو خيانة العهد مع الطرف الآخر، كما أن انتشار الرذيلة وعدم الشعور بالذنب عند ارتكاب الأخطاء هو من أهم الأسباب التي تُؤدّي إلى قبول الشخص بخيانة غيره.
٣/ عدم توافق الزوجين من الناحيتين الفكرية والاجتماعية، وعدم اهتمام أحد الزوجين بالطرف الآخر، ممّا يؤدي إلى لجوء الآخر إلى الخيانة؛ لإشباع حاجته.
٤/ الروتين بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية، وعدم اللجوء إلى النقاش والحوار وأخذ رأي كلٍّ منهما للآخر، فذلك يدفع إلى الوقوع في الخيانة الزوجيّة؛ بسبب حاجة أحدهما إلى التغيير والتنويع، وتعطّشه لذلك، فإن لم يجده مع زوجه لجأ إلى الحرام.
٥/ فقدان التَّفاهم والحب والاحترام المتبادل والثقة بين الزوجين وأيضا عدم وجود قواسم مشتركةٍ بين الزوجين في الهوايات والمشاعر والأحاسيس؛ ممّا يجعله يبحث عنها في غير زوجه.
٦/ الرغبات الانتقامية من الأسباب النّادرة التي قد تؤدّي للخيانة الزّوجيّة، ومن الممكن أن تنتج عن المشاكل الزوجيّة التي قد تُسبّب الحقد أو الضغينة لدى أحد الطّرفين، فيلجأ هذا الطّرف للخيانة نكاية بالطّرف الآخر، وقد يلجأ الخائن لإظهار خيانته حتّى يُشعر الشّريك بالألم العاطفيّ، أو قد يتركها سريّة ويكتفي بشعوره الدّاخليّ بتحقيق الانتقام.
طرق معالجة الخيانة الزوجية
تنمية الأمور الدينية والرجوع إلى الله والتوبة من هذه القبائح وتقليل التعرض للفتن المثيرة للغرائز بوسائلها المختلفة، التعرف على المشكلات الزوجية في وقت مبكر والاهتمام بها ومحاولة حلها بطرق إيجابية وليس بالسكوت أو التغاضي عنها وأيضا اعتراف صاحب المشكلة بمشكلته، والبحث لها عن حل بدل الإنكار أو التمادي مما يجعل الطرف الآخر يلجأ لغيره لإشباع رغباته، وكذلك الاهتمام باختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح وعدم تغليب الجوانب المادية في مقومات الاختيار، أيضا للحد من هذه الظاهرة نتعاون مع خطباء المنابر لإلقاء محاضرات بخصوص هذه الظاهرة التي أصبحت تهدد المجتمع، وأيضا التعاون مع المؤسسات لإقامة ندوات تعمل على التقليل من هذه الظاهرة.
موقف القانون
يقصد بنطاق الخيانة الزوجية مايدخل ضمنها من التصرفات الجنسية سواء أكان قولا أم فعلا، فهل يدخل في نطاق الخيانة الزوجية ما يوصف بأنه إشباع للغريزة الجنسية أم إنها قاصرة على تصرف أو فعل محدد؟ للإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأنه حصر المشرع العراقي وفي المادة (377) من قانون العقوبات الخيانة الزوجية بزنا الزوجية حيث نصت على أنه: 1 – يعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ما لم يثبت من جانبه انه لم يكن في مقدوره بحال العلم بها.
2 – ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج إذا زنا في منزل الزوجية.
وبناءً على ذلك وتطبيقاً لقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص، لا يمكن اعتبار أفعال اللواطة أو الفعل الفاضح غير العلني أو المحادثات العاطفية التي يأتيها أحد الزوجين برضاه مع الغير من قبيل الخيانة الزوجية.
الحكم الشرعي للخيانة الزوجية
لا شكَّ أنَّ الخيانة بشكلٍ عامٍّ تعتبر من الأمور المحرّمة التي نهى عنها الإسلام، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) فقد أضاف الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الخيانة إلى الكفر، وجعل الخائن كفوراً؛ أي شديد الكفر، فإذا وقعت الخيانة التي تكون بين الزوجين؛ أي من الزوج لزوجته أو من الزوجة لزوجها، وقد تمَّ بينهما إجراء عقد الزواج الشرعيّ الذي وصفه الله بأنّه ميثاقٌ غليظٌ، فإنّ الخيانة تكون أعظم إثماً وأشدَّ حُرمةٌ، وأكثر تأثيراً وأعمق من حيث الآثار المجتمعيّة والأخلاقيّة، والخيانة في غيرهما كذلك محرّمةٌ كخيانة المواثيق والعهود وغير ذلك، وفيما يأتي بيان الحكم الشرعي للخيانة الزوجية:
تختلف درجة الخيانة الزوجيّة باختلاف الفعل والنظرة إليها في المجتمع، فمثلاً ربّما يُعتبر أيُّ تصرفٍ يقوم به أحد دون علم الآخر وفي الخفاء عنه خيانةً له، ولكنّ ذلك لا يدخل في باب الحُرمة أو الكراهة أو الحِلّ؛ لكونه لم يرتكب ما يُعاقب عليه شرعاً أو قانوناً، ولم يقم بفعلٍ منهيٍ عنه شرعاً، فلا تكون خيانته من الأفعال المحرّمة، ولكنّه في نظر الآخر يعتبر خائناً لفعله ما يسوء.
إذا بلغ حدُّ الخيانة أن يرتكب أحد الزوجين جريمة الزِّنا أو ما يجري مجراه من الأفعال المُحرَّمة؛ كأن يُقيم أحد الزوجين مع شخصٍ غريبٍ عنه علاقة حبٍّ، وتبادلا خلالها الأفعال المحرّمة حتى لو لم يصل الأمر بينهما للزنا والوقوع في الفاحشة، فإنّ ذلك يُعتبر ممّا نهى عنه الإسلام وحرَّمه وحذَّر من الوصول إليه، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الزنا أو اقتراف ما يؤدي له أو فعل شيءٍ ممّا يدور حوله؛ كالنظر والحديث والمواعدة والملاطفة بين الطرفين وغير ذلك، قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، [٥].
إذا فعل أحد الزوجين أمراً مباحاً يخالف ما يُحبُّه زوجه الآخر ولا يُرضيه، فإنّ ذلك لا يُعتبر خيانةً؛ كأن يتزوج الرَّجل بزوجةٍ أخرى غير زوجته، فقد أباحت الشريعة الإسلاميّة تعدد الزوجات وجعلته مشروعاً، ولكنًّ المطلوب في هذه الحالة من الزوج أن يعدل بين زوجتيه، وأن يؤدي حقوقهما وأن يكون بينهما عادلاً حكيماً.
إن الأبناء هم الضحايا بعد معرفة هذا الموضوع، وحتى لو تصالحت الأم مع الأب وتراجع أيضا عن الخيانة وغفر لبعضهما فسقوط صورتهما في عيون الأبناء أمرا ليس بالسهل لأنهم القدوة والمثال الذي يحتذون به، لذلك لابد أن يكون الموضوع في محيط سري تام بين الرجل والزوجة.
وقد تؤدي الخيانة إلى دمار الأسرة فقد يحدث الطلاق إذا اكتشف الطرف الآخر الخيانة وأيضا تؤدي إلى القتل وبالذات إذا كانت الزوجة هي الخائنة فمسائل الشرف والعفة حساسة جداً في مجتمعاتنا وشرعنا، فقد يقتل الرجل زوجته إذا اكتشف أنها تخونه، فتفقد الأسرة أحد أطرافها. وكذلك تؤدي الى فقدان التوازن العاطفي والنفسي بين الزوجين وفقد الثقة والتي هي من أهم أسس النجاح في العلاقات الزوجية.
وإن حب الزوج لزوجته لا يمنع خيانته لها: لأن الرجل يخون بجسده وشهوته، لكن حب المرأة لزوجها يمنعها من الخيانة، فالرجل يخون بجسده أكثر من عواطفه، وهنا أؤكد أن حب الاحتواء يمنع الخيانة، بمعنى الاحتواء النفسي والروحي والجسدي بين الزوجين.
لذلك أيها النساء إن الخيانة لا تنافس الحب، فقد يحب الزوج زوجته حبا كبيرا وصادقا، إلا أنه قد يخونها، لذلك عليها ألا تقتل هذا الحب وتتذكر العشرة الجميلة بينهما وألا تهدم حياتها، وعليها أن تعرف أنه لم يخنها ولكنه خان ربه.
وهذا لا يعني أن المرأة لا تخون، غالبا تكون خيانة المرأة بسبب الحب والتعلق بطرف آخر، لكن الرجل يخون دون حب لذلك فخيانة المرأة أخطر وأشنع، وذلك لسببين أولهما اختلاط الأنساب وثانيا لأنها أيضا تخون بمشاعرها، أما الرجل فيخون بجسده وفي أحيان أخرى الرجل يخون بجسده وعواطفه.
والزوجة العاقلة تجعل من بيتها بيئة جاذبة للزوج لا طاردة.. وأيضا على أي امرأة أن تحتفظ بمشاعرها وبذاتها لنفسها، لعالمها حتى لا تواجه أي احباطات بأي علاقات حتى غير الزوج، فإذا كانت ممتلئة من الداخل غنية مشبعة بعلاقتها مع ربها- بهواياتها-طموحاتها-علاقاتها الاجتماعية والعائلية لن تنكسر بسهولة وقوة لأن الزوج جزء من حياتها وليس كل حياتها، ركزي على ذاتك واجعلي عالمك غنياً، وإذا اكتشفتِ الخيانة تصرفي بعقلانية وهدوء وركزي على الأفضل لوضعك وليس الانتقام وانسِ العواطف مؤقتا.
وأنت أيها الزوج لماذا تقوم بخيانة زوجتك التي ضحت بكل شيء في سبيل اسعادك وفي سبيل تربية أولادك تربية صحيحة، انظر إليها وهي منهكة من أتعاب وأمور الحياة ولم تخبرك بشيء لكي لا تقوم بإزعاجك، وعليك أن تقتدي بأهل البيت عليهم السلام في معاملة الزوجة والمحافظة عليها.
لأن المرأة تحب من يهتم بها ويصون عشرتها ويحافظ عليها وعلى بيتها، وهي تحتاج إلى رجل يكون سنداً لها في أوقات الصعاب ويقف ضد من يزعجها لا رجلا يقوم بخيانتها لكي يشبع غريزته. لأن المرأة تمثل أساس الأسرة وأيضا برأيي إن المرأة ليست نصف المجتمع وإنما كل المجتمع؛ هي الأم والزوجة والأخت والبنت.. وهي التي تقوم بالكثير من أمور الحياة، لذلك يا بن آدم اقتدِ بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): رفقا بالقوارير.
وعلى من يرتكب الخيانة الزوجية التي تهدم حياة الأسرة، عليه أن يتذكر أنه: كما تدين تدان.
اضافةتعليق
التعليقات