روى الإمام جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) وهو كئيبٌ مفجوع لأبي بصير رضوان الله عليه عن أمرٍ جللٍ غيبي عظيم ، قائلًا: «إن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها لتبكيه وتشهق»1.
مفصحًا عن حال جدته الطاهرة المعصومة "فاطمة الزهراء"، وعن شدة محنتها ولوعتها على ابنها "سيد الشهداء" وعترته الكرام وما جرى عليهم في يوم الطف.
عبارة موجعة تستحق التأمل
ورد في مفاد بياناتهم (صلوات الله وسلامه عليهم) إن السيدة فاطمة الزهراء بأبي وأمي حتى تلك الساعة ثكلى متألمة متوجعة على مصاب ابنها الحسين، تبكيه في كل آنٍ وحين حتى تشهق.
وعلى أثر تلك الشهقة تفطرت نيران جهنم والبحار، حتى كادت أن تَفلُت من عنانها عدة مرات، وتصعق بكل مَن على الأرض وتحرق أخضرها ويابسها، غضبًا وانتقامًا من أهلها.
ولولا تضرع وابتهال خزنة العرش والسماء، من أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتهدئة ابنته فاطمة وتسكين آلامها، لساخت الأرض ومن عليها، ولأصبحت في خبر كان ويكون.
كما (قال أبو بصير: كنت عند أبي عبد الله (صلوات الله وسلامه عليه) أحدثه ، فدخل عليه ابنه فقال له.. يا أبا بصير إن فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها ، وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض، فيكبحونها ما دامت باكية ويزجرونها، ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض ، فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها (
وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض ، وما منها قطرة إلا بها ملك موكل ، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته ، وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا وما فيها ومن على الأرض، فلاتزال الملائكة مشفقين يبكونه لبكائها ، ويدعون الله ويتضرعون إليه ، ويتضرع أهل العرش ومن حوله ، وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض، ولو أن صوتًا من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض، وتقطعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها ! قلت: جعلت فداك إن هذا الأمر عظيم ، قال: غيره أعظم منه ، ما لم تسمعه ثم قال لي: يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة )صلوات الله وسلامه عليها ( ؟ فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق ، وما قدرت على كلامي من البكاء !
ثم قام إلى المصلي يدعو ، فخرجت من عنده على تلك الحال ، فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم ، وأصبحت صائمًا وجلًا حتى أتيته ، فلما رأيته قد سكن سكنت ، وحمدت الله حيث لم تنزل بي عقوبة( 2.
لعل المعنى: وحمدت الله أن لم تنزل بي عقوبة لتقصيري في حقهم صلوات الله وسلامه عليهم.
وأشار أيضًا أبو ذر الغفاري إلى عظم محنة الحسين صلوات الله وسلامه عليه ومدى تأثير الكون والطبيعة بها كما جاء : عن عروة بن الزبير قال: سمعت أبا ذر، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة، فقال له الناس: يا أبا ذر أبشر فهذا قليل في الله تعالى، فقال: ما أيسر هذا، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي (صلوات الله وسلامه عليهما) قتلًا - أو قال: ذبحًا - والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة -(المقصود من الخليفة الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه)- أعظم قتيلًا منه، وان الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا، ويبعث قائما من ذريته فينتقم من الناس، وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار وسكان الجبال في الغياض والآكام وأهل السماء من قتله لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم وما من سماء يمر به روح الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) إلا فزع له سبعون ألف ملك، يقومون قيامًا ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة، وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله، وما من يوم إلّا وتعرض روحه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيلتقيان..3
ألَا يحق لمن حضرت كربلاء يوم عاشوراء ورأت ابنها صريعًا مذبوحًا منحورًا بلا رأس مرملًا بدمائه على الرمضاء ان تشهق ، وتُخضب ناصيتها من دماء شيبته، وترفع رايته وتنشر قميصه على الكون كله، وتشكو الباري تعالى في من قتله.
فمن أراد السعادة في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون ، فلينصر الزهراء في ابنها الحسين ،وصدق المولى تعالى { لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ..}4.
-----
اضافةتعليق
التعليقات