"الرُّعبُ" في لسان العرب هو: الخوفُ الشديدُ المفاجئ الذي يُلقيه الله في قلبِ العدوّ من غير سببٍ ظاهرٍ ماديّ. وهو مِن” الرَّهبة“ لا مِن” الخوف الطبيعي“. فهو أثرٌ غيبـيّ ينتج من مواجهة نور الحقّ لظلمة الباطل.
أما في المفهوم القرآنيّ فالمعنى هو: ليس حالةً نفسيّةً عارضة، ولا خوفًا طبيعيًّا يُصيب البشر، بل قوّةً وسنةً غيبيةً إلهيّة جارية تُسخّر دفاعًا عن أوليائه وتمهيدًا لظهور حججه في لحظات المواجهة الكبرى.
"الرُّعبُ" سلاحٌ من سلاح الله، يقذفه في قلوب أعداء وليّه فينهزمون قبل أن يشتبك القتال، وهو سلاحٌ مقدّم قبل النصر. أي يشير إلى إلقاء الله سبحانه وتعالى الخوف والفزع في قلوب الأعداء، كما حدث في غزوة "بني قريظة" حيث أُلقي في قلوب اليهود الرُّعب فأهلكتهم.
وتمثل ذلك المفهوم أيضًا في كثير من الآيات الشريفة منها: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾(آل عمران: 151)/﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ (الأحزاب: 26)/ ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ﴾ (الحشر:13).
وفُسر ذلك في قول مَن عنده جوامع الكلم والبيان-رسول الله صلى الله عليه وآله - : «نُصِرتُ بالرُّعب مسيرةَ شهرٍ، أي بمعنى أن الله تعالى جعل هيبة النبيّ تمتدّ في قلوب أعدائه بمقدار مسيرة شهرٍ قبل وصوله، فإذا سمعوا باسمه أو خبر قدومه انهاروا نفسيًا ، بل تهاوت قبل مواجهته شرعية كثير من السلاطين والجبابرة.
وتدل عبارة «نُصِرتُ بالرُّعب» على ان هالة نورانية محيطة بالنبيّ في زمن الحركة والتحرّك والفتح تتقدّم الجيش قبل وصوله، فتفتح الطرق وتكسر المعنويات. وفي قوله «مسيرة شهر» لأن العرب آنفًا كانت تقيس المسافات بالزمن.
وجاء ذلك المفهوم أيضًا في مأثورات وأدعية أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، لاسيما في دعاء الندبة- المنسوب روايته إجمالًا إلى الإمام علي الهادي صلوات الله وسلامه عليه والإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه- حين قال مخاطبًا النبيّ صلى الله عليه وآله: «ثُمَّ نَصَرْتَهُ بِالرُّعْبِ ، وَحَفَفْتَهُ بِجَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَالْمُسَوِّمِينَ مِنْ مَلَائِكَتِكَ.. » وفيه إشارة إلى أن - الرُّعب - هو أحد عناصر النصر الغيبيّ للنبي صلى الله عليه وآله و لأهل بيته المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم ، فهم حجج الله وموضع تجلّيات قدرته .
ف "الرعُّبُ الإلهي" ليس خوفًا من سلاح أو كثرة، بل خوفٌ من الحقيقة. وهو سقوط الباطل أمام نور الولاية.
والهيبة الإلهية التي تسبق أولياءه، وترافق حججه في كل عصر. كما باتت نهضة الإمام الحسين وهيبته ومقامه وخطابه امتدادًا لذلك السِّرّ الإلهيّ في كربلاء وما بعدها فأسقطت شرعية يزيد وحكمه الأموي البائد بأكمله في أقل من ثلاث سنوات.
كذلك الحال مع مقام وهيبة وخطابات ابنه الإمام علي زين العابدين وأخته عقيلة الطالبيّين زينب الكبرى صلوات الله وسلامه عليهما، اللذَان قلبا موازين عروش طغاة بني أمية وطأطأ رُؤوسهم وقوَّضا مَضاجعهم في مسيرة الأسر والسبي في الكوفة والشام والمدينة.
إذًا فالرعُّبُ سُنّةٌ إلهيةٌ ثابتةٌ، ليست للنبيّ وحده، بل هي جزءٌ من ميراث النور المحمدي الذي يُسلّم إلى الأوصياء المعصومين واحدًا بعد آخر، حتى تصل إلى الإمام المهديّ صلوات الله وسلامه عليه ، وفي عصر ظهوره الشريف يتجلى "الرُّعب" بأعلى وأتم وأكمل مراتبه، كما ورد «يُؤيَّد القائم بالرعب، يسير أمامه الرعب مسيرةَ شهرٍ، وخلفه شهر، وعن يمينه شهر، وعن شماله شهر». (الغيبة للطوسي، وبحار الأنوار 52).






اضافةتعليق
التعليقات