انتهت حياة الطفليْن غرقا .. وأُسدل الستار على جريمة بشعة نكراء ، ألقت بظلالها الثقيلة على ساحة الأحداث..
وتصدّرت تلك الجريمة صفحات الجرائد الأولى ، وذاع صيتها في الآفاق.. كما إنّ وسائل التواصل الإجتماعي لم تدّخر جهدا في تسليط الضوء عليها ، وتشريحها تشريحا دقيقا.. أما التعليقات فحدّث عنها ولا حرج.
هنا لابد من وقفة مسؤولة..
أن تتفاعل مع الحدث وتتناغم وتتعاطى مع ما يدور حولك من أفعال ، لهوَ عين الصواب.. وهذا يدل على أنك مهتم وأنك موجود ، وهذه نقطة تُحسب لك بكل تأكيد.
إمّا أن تتعاطى مع أي حدث بشكل ٱستفزازي ، محاولا التعميم في ذلك ، وتُبدي ردّة فعل هوجاء تزيد الطين بلّة ، هذا ما لا يرتضيه أي عاقل.
كل جريمة لها أسبابها ودوافعها ، وقد أوضح علماء الإجتماع هذا الأمر ، وفسّروا السّلوك الإجرامي للإنسان باعتباره نتاج تأثير المجتمع المحيط به.. ومجموعة من العوامل التي تتعلق به ثقافياً واجتماعياً.
والجريمة تبقى ناقصة وغير كاملة ، ما لم تنتهي إلى معاقبة الجاني بما يتناسب وفعله الإجرامي..
وليس هنا مربط الفرس..
فالإجرام درجات وأنواع متعددة .. تارة تأخذ منحى التعميم الظالم ، وتارة تأخذ منحى التشهير والتسقيط ، وتارة ثالثة تأخذ شكل الأحكام المُسبقة.
فالأغلبية قد تشترك في الإجرام ولو بشكل متفاوت .. فإذا كان صاحب الجريمة واحد فإنّ المعاونين كُثر.. وهنا تحدث الطامة الكبرى.
هي أمّ واحدة ارتكبت جريمة.. لكن أنتم لماذا ترتكبون جناية التشهير والتسقيط بحق أمّهات العراق؟!
سؤال لا بُدّ أن يُطرح على طاولة النقاش ، طالما هناك من يعربد ويتطاول في الجانب الآخر ، فالتعليقات التي يُدلي بها أصحابها تعكس وجهات نظرهم هُم ، لكنّها تصبح نقمة عندما تتخذ مسارات أخرى.
من حقّك أن تعترض وتسجّل رأيك بكل شفافية وموضوعية ، ومن حقّك أن تشجب الجريمة وتندّد بصاحبها.. كما من حقّك أن تتبرأ من فعله الإجرامي.. لكن ليس من حقّك أن تعمّم الظاهرة فتقول : إن كانت هذه هي الأم العراقيّة فعلى أمّهات العراق السلام!!
مَن أعطاكم الحق بوصف الأمّهات العراقيّات بهذا الشكل الظالم؟ ومَن أباح لكم إيذاء مشاعر ملايين الأمّهات العراقيّات ، ووصفهن بما لا يليق بمقامهنّ السامي؟
هل تعرفون من هي الأم العراقيّة فعلا؟ وهل تدركون عظمتها وتضحياتها وصلابة معدنها وشدة بأسها وشجاعتها وطيبتها؟
الأم العراقيّة _ ياسادتي _ هي الفريدة من نوعها بين الأمّهات ، عملة نادرة في زمن الجفاء وتيبّس المشاعر.. هي أم الشهداء وأم الأبطال وأم الحنان والترف والنخوة.. هي أم لا تُقاس بمن حولها ، بل تُقاس بحجم الوجع والفجيعة ، ولن تدركوا معناها ، فأنتم لم تنظروا ياسادتي في أيدي أمّهاتنا ، ولم تعرفوا بعد سرّ تجاعيد وجوههن في سنوات القهر والظلم والضّياع ، ولم تروا مفاتيح الجنّات مخبوءة في شقوق الوَجَع المُر ، واليُتم ، والترمّل ، والثكل ، والعزاء.
إن كان للصبر وطن فهنا موطنه الأم : العراقيّة.. نعم هي موطن الصبر لا سواها ، وعلى راحتيها يغفو صبر أيّوب النبي ، وعلى صدرها نياشين البطولة والفداء ، وفي أحضانها تنمو فسائل المجد والعطاء.
فما أعظم أمّهات العراق وما أكبر صبرهنّ وأدفأ أحضانهنّ ؟! صابرات كأيوب ، حنونات كفاطمة ، رساليّات كزينب ..
هؤلاء هنّ أمّهاتنا ياصاح.. فجئني بمثلهنّ إذا جمعتنا ياجرير المجامعُ.
اضافةتعليق
التعليقات