إنه في كل يوم يفعل الأمر ذاته حين القدوم إلى العمل؛ زفيرٌ مشحون بالعصبية والإعتراض وحسرات على ما بأيدي الناس وعدم التفاني والمتعة فيما يقدمه، إلى أن إختصر جميع سموم إعتراضاته بتوقيع الإستقالة وقبل أن يخرج من الشركة ذهب إلى صديقه بالعمل وبكامل العنفوان دسَّ بأذنه جملة ملغومة؛ أنصحك بأن لا تطيل المكوث هنا فهذا المكان لا يصلح لتوظيف الآدمي!.
أجابه الصديق؛ ولكن هذا ما أتقنه وأستمتع به، وقد لا أجيد عملا آخرا سواه.. وبإصرارٍ آخر دسَّ جملة حارقة أخرى بأذنه؛ أنظر إلى الحياة كيف تتطور، من السذاجة أن تترك الاعمار والتطور وتتقاعس بجانب عمل تجاري ممل وشاق.
إنصاع الصديق لنصيحة المتعجرف وحين استقال وبحث عن عمل آخر كانت بحوثه سدى حيث لم تقبل بمؤهلاته أكثر الوظائف الشاغرة ما جعله يعود تارة أخرى إلى عمله وبجهد مضاعف لكي يستعيد مكانه القديم ذاته!.
إن معظم الأمور نستمدها بالفطرة وأكثرها بالتَعَلُم والتكرار وأغلبها بالنصيحة والتوجيه؛ لذا نحن بحاجة للنصيحة ما دمنا أحياء ولا يهم العمر الذي نحن عليه، فقد جاء في الحديث عن الامام علي بن ابي طالب (ع): "من إستبد برأيه هلك ومن شاور الناس شاركهم في عقولهم".
ولكن على الطرفين أن يعلما حدودهما بذلك، فإن ما يفيدني قد يضر سواي والعكس صحيح.. لذا حري بالمستنصح أولاً أن يفعّل عقله ويغربل النصائح قبل أن يرفدها الى احد، وثانياً أن يأخذ النصيحة من أهلها، فقد يكون من الغرابة أن يذهب المريض عند المهندس ليشفيه من مرضه!.
وثالثاً ان يجرب قياس النصائح على حياته قبل أن يرتديها فقد تكون غير مناسبة لوضعه
ومسؤولياته..
وأما الناصح بأن لا يقول ما لا يرضاه على نفسه وأن لا يحرج الطرف المقابل بسلاطة لسانه وأن يوّد له الخير بنصيحته لا التجريح والتضليل.
وقد جاء في رسالة الحقوق السجادية مختصرا مفيدا في هذا السياق المهم؛ (وحق المستنصح: أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له، والرفق به.
وحق الناصح: أن تلين له جناحك وتُصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت الله عز وجل، وإن لم يوافق رحمته، ولم تتهمه، وعلمت أنه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك إلاّ أن يكون مستحقا للتهمة، فلا تعبأ بشيء من أمره على حال).
اضافةتعليق
التعليقات