الدونية كلمة مخيفة لما تحمله من آثار ونتائج عجيبة إلا أنها رغم رعبها للسامع لها عبارة شائعة الاستخدام في أيامنا هذه، فبعض منا يشعر بها ولا إراديا يغرق في مآسيها لكن قد يعلم أنها تلك العقدة التي تسمى بالدونية.
وفي بلاد الشرق نجد أن المرأة كثيرا ما تعاني من الشعور بالدونية أكثر من الرجل، إذ تعتقد كثير من النساء في أنفسهن أنهن أدنى لمجرد كونهن نساء ولكن هل هذا إحساس طبيعي أم احساس ثقافي؟ وهل هو شعور حقيقي أم أنه وهم؟ آمنت به المرأة فأصبحت واقعا وللشوق الذي يحدونا للتعرف على إجابة الاسئلة التي تدور في أذهاننا كلما لاح أمامنا مصطلح الدونية ارتأينا أن نجري استطلاعا لآراء بعض من النخب والفئات الاجتماعية المختلفة للأهمية التي يشغلها هذا الموضوع في حياة نساءنا بالذات:
الأسرة تبذر هذا الشعور
فالتقينا بالسيدة رفاء الجامع - مدرسة في اعدادية غزة للبنات- فأكدت: إن نظرة المجتمع المتوارثة جيلا بعد جيل ساهمت بشكل فاعل في أن تعتقد المرأة لا بل تجزم إنها من الدرجة الثانية بعد الرجل، رغم كل الجهود الطيبة والمثمرة التي تقدمه وتكاد تكون ضعف مايقدمه نصفها الآخر، إذ نجدها قد أصبحت بسبب ظروف دنياها القاسية معيلا ماديا ومعنويا. وأثارث السيدة رفاء في سياق حديثها سؤالا أليست هي من يصنع القادة الافذاذ والرجال الشجعان؟ أوليس كل ماينعم به مجتمعنا هو من نتائج ذلك الكائن الذي ينعته كل من يحمل فكرة مغلوطة عن شخصها وتكوينها عندما تطالب ببعض من حقوقها التي يغمطها إياها زوج متعصب، أو ابن متمرد، أو أخ متسلط، أو أب مستبد بأنها (امرأة) تقليلا لعظيم دورها واستهانة بوجودها ككائن معطاء ومع كل الاسف انهم من بذروا فيها هذا الاحساس المقيت الذي تقشعر له نفسي كلما اردد عبارة (الدونية).
في حين أوضحت نبأ شاكر - طالبة في معهد اعداد المعلمات-: أن هذا الاحساس يحتل مساحة كبيرة من نفس المرأة حتى يمكن أن نصفه أنه شعور طبيعي ويعزى سبب ذلك إلى المراحل الخمس الأولى من طفولتها، فهناك مبدأ في علم النفس يقول: أن شخصية الفرد تتأثر تأثيرا كبيرا بمرحلة الطفولة بالأخص في السنين التي أشرت إليها، إذ يتركز في ذهن البنت ويكون جزء من شخصيتها كل فعل وكل قول تتلقاه خلالها، فالضرب لها مثلا من قبل أحد الوالدين أو كلاهما بدون سبب وجيه، والتقريع بالكلمات النابية القاسية يجعل منها شخصية انهزامية غير قادرة على المواجهة حتى وان كان على حساب بيان حقها او حتى ابراز تفوقها وبيان طاقاتها فيظل كل ذلك في طي الكبت الذي قد ينفجر بركانه الى عالم الوجود بأساليب غير مرضية.
الابتعاد عن روح الاسلام
أما السيدة هدى عباس محسن - مقرر قسم الفقه في جامعة أهل البيت (عليهم السلام) فأوضحت: أن للعادات والتقاليد دورا كبيرا في تولد الشعور بالنقص، فعادات وتقاليد مجتمعنا معظمها بعيدة عن روح الاسلام، فالدين كما هو واضح جاء ليرفع من شأن المرأة حتى أنه نعتها بنعوت طيبة بذاك النعت الرائع بأنها ريحانة.
والملفت للانتباه ان مجتمعنا يطغى عليه طابع الذكورية مما حجم من دور المراة الريادي حتى في داخل مؤسستها الصغيرة، فلسطوة اوامر الرجل الحيز الاكبر في التعامل الاسري، ولايخفى ان شخصية المرأة هي الي تحدد ثبات او نفي هذه النظرة فالمرأة ذات الطبيعة المستسلمة الانهزامية التي ترضى بواقعها دون اي ردة فعل ستكون ممن يؤمن ان ذلك من الامور المسلم بها فتتماشى مع الوضع دون ان تحرك ساكنا.
وكان لنا وقفت جميلة مع السيد (عزيز جفات الطرفي) عضو جمعية المؤرخين في العراق الذي سرعان ما وافقنا الطرح واشار الى ان من اولى الاسباب التي جعلت نساءنا ينتابهن الشعور بالدونية هو قساوة المحيط الذي تعيشه المرأة فأنا اجد كثير من الاسر الريفية وحتى الاسر التي تقطن المدن المرأة نوعا عندهم تعامل بطريقة لاتنسجم مع مااوصت به تعاليم السماء بشأنها هي قد تكون قد تعودت على ذلك فجدتها وامها وثلة من نساء محيطها قد كن خاضعات تحت وطأة ذلك وكذلك قلة الوعي والثقافة وانخفاض مستوى التعليم له مساهمة حيوية في نشوء عقدة الشعور بالدونية عند النساء وبالاخص في المناطق النائية البعيدة عن مراكز التطور الثقافي والاجتماعي.
اذ نجد ان كثيرا من اعرافنا العشائرية تقيد المرأة بل وتلحق الحيف بها فمثلا مسألة النهوة والفصلية مازالت تحط وتهين من قدر المرأة حتى اصبحت تشعر ان هذا هو قدرها علاوة على ذلك هذا الاحساس ساهمت به المرأة ذاتها فهي نتيجة لكل ذلك تعطي الاولوية للذكور.
اما السيدة (لوية هادي كاظم)/ هيئة تحرير مجلة رياض الزهراء فعزت اسباب الاحساس بهذا الشعور الى الاسلوب المتبع في تنشئة الفتاة فالتمييز بين الذكور والاناث في المعاملة في نواحي متعددة كاعطاء مساحة اوسع للذكر قد بلغ اوجه عند بعض من الاسر كالتاون في مسالة ضرب الفتاة من قبل اخيها الاكبر او حتى الاصغر منها بحجة انه (ولد) وكذلك الاستهزاء والتقليل من شانها امام اترابها بانها لاتعي شيئا ولاتتصف بالنشاط كالاخريات هذا يجعل الفتاة تتساءل لماذا؟ وهل ارتكبت خطأ كوني انثى فتكون نتائجه وخيمة عليها وعلى اسرتها بوجود عضو عديم الثقة بنفسه ولايتحمل مسؤولية اتخاذ اي قرار نتيجة الشعور النفسي الذي بدا يأكل ويشرب معه.
اما السيدة (هدى علي) بكلوريوس تربية/ جامعة كربلاء التي تنهدت قليلا ما ان اطرق مسمعها (الدونية) وافاضت علينا قائلة: مع كل الاسف اجد بعض من الاسر قد ساهمت في بذر بذور هذه العقدة في نفوس بناتهم ولايعتريكم العجب لو قلت ان بعض من الاسر تجعل الرجل يأكل في صحون ذات نوعية جيدة لكن البنت تأكل في المطبخ وفي صحن من النوع العادي (الفافون) ولو سالنا بعض من الرجال لماذا هذا الصنيع لقال بعضهم اننا رجال واكرم من المرأة، ألم يقل الله في محكم كتابه الكريم (الرجال قوامون على النساء) فهؤلاء يفهمون القيمومية من وجهة نظرهم الشخصية فضلا عن عامل التعصب حيث تحرم المرأة من اكمال تعليمها ومن العمل خارج المنزل وهذا واضح في الارياف فبالكاد تكمل الدراسة الابتدائية بالرغم من توافر الارادة الكاملة لديها في تحقيق هدفها من ان تكون امراة تحمل من الثقافة مايهيئها لتكون عضوا فاعلا في خدمة نفسها ومجتمعها فتصاب بخيبة امل فيخمد لهيب الابداع وشعلة القابليات المثمرة.
واضف الى بعض من العادات التي مازالت مترسبة في اساس بعض من اسرنا وابسط مثال النهوة اذ ينهى ابن العم على ابنة عمه الذي اما ان يتزوجها رغما عنها فتعيش حياة البؤس او تبقى دون زواج ويبذل ربيع عمرها ليحل خريف الشتاء فعندها تصل المرأة الى مستوى تبغض كونها انثى وتندب حظها انها لم تخلق ذكرا فتوئد فكرها ومشاعرها تحت نقاب النقص فنحن بحاجة امام هذه المسألة الى ثقافة اسلامية تتماشى مع مشاكل المرأة العصرية.
اما السيدة (مائدة الدوركي) مديرة مهد الرجاء للعوق الذهني تقول: اننا مجتمع ذكوري تعامل فيه المرأة باقل من الرجل ويعزون ذلك الى انه (جادود) ويعيل العائلة فالعناية والاهتمام به في محله ومايبدو لي اننا في زمن تتعصب فيه الام للولد والاب للبنت فالام غالبا ماتخفي عن الاب اخطاء ابنها وتكون هي المدافع والمحامي عنه فتظلم البنت باهمالها وعدم مداراة مشاعرها فتنمو عقدة الدونية وتظهر بتصرفات خاطئة وسلوكيات غريبة عن عادات اسرتها فتشعر في اللاوعي انها تنتقم من ابويها وفي الريف.
فالحال البارزة ان المرأة تكون مضطهدة كزوجة الابن التي تتسنم عنوان الخادمة في بيت اهل الزوج وعندما تكبر وتتقلد هي دور ام الزوج مستقبلا فتكون عمة قاسية لأن فاقد الشيء لايعطيه، واود ان الفت النظر الى ان بعض من الفتيات يفضلن بيت الاهل على بيت الزوج لما تتلقاه من معاملة قاسية من قبل زوجها فتقول (بيت اهلي اهون لأنه على الاقل لايوجد فيه من يضربني).
اماالسيدة زينب الموسوي/ رئيس تحرير مجلة الصديقة فاوضحت ان المرأة لاتشعر بالدونية اذا كانت لديها ثقة عالية بنفسها ومرتكز في ذهنها انها تمتلك طاقات يمكن ان تجعلها فاعلة في المجتمع بما وهبها الله تعالى من امكانات وقدرات اذ جعلها نصف المجتمع والمربي للنصف الاخر منه واما من يقول بأن هناك شعور لدى المرأة الذي هو الدونية فأنا ارد عليه بالقول ان هذا الشعور تكون لديها بالعرض وليس بالاصل فربما يكون نتيجة مؤثرات خارجية انتجتها الاعراف الجاهلية التي مازال بعض من فئات مجتمعنا متمسكا بها أو جاء نتيجة نشوؤها في وسط لم تثمن جهود المرأة ولم يعطها حقها وبما اننا سلمنا بأن هذا الشعور ليس بالاصل وانما بالعرض فهذا ان دل على شيء فانما يدل على امكانيتها وقدرتها على التخلص من هذا الاحساس والنهوض بنفسها من خلال اكساب ذاتها بالثقافة الاسلامية الحقة المستقاة من سيرة السيدة الزهراء (ع) التي امتازت شخصيتها بثقة عالية بالنفس مما اثر ذلك على تربيتها لاولادها لذلك استطاع كل واحد منهم ان يكون قيادي ورسالي في زمانهم.
بعد هذه الجولة السريعة مع اراء نخبة من مجتمعنا ارتأينا أن يكون ختامها عند محطة علم النفس فكان رأي الدكتورة السيدة ايمان الموسوي/ مختصة بعلم النفس بأن الشعور بالدونية يبدأ من قبل المرأة منذ اللحظة الاولى للولادة (اذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم) فبقيت هذه الحالة في مجتمعنا الى وقتنا الحاضر (ابنية لو ولد) هذه الكلمات تختزن في ذهن الطفلة الوليدة الى ان تبدأ التنشئة الاجتماعية في شراء الملابس الخاصة بالبنت وتقديم ما يخصها من العاب والتمايز في التربية بين البنت والولد.. ثم في سن التكليف اذا كانت الثقافة الاسلامية غير واسعة في الاسرة نجد كثيرا مايتم اسماع البنت بعض الكلمات الخاصة بالانوثة بأنها ضعيفة ولاتستطيع ان تفعل كذا وكذا وعليها الاعتماد على أخوها حتى لوكان اصغر منها بسنوات عديدة..
في الختام نتوصل ضرورة اشاعة المفاهيم الاسلامية الحقة ووضعها موضع التطبيق الصحيح البعيد عن الاهواء الشخصية والامزجة المتلونة واناطة الادوار السليمة للمرأة بشكل يحافظ على مكانتها وكرامتها وعلى الابوين تقع المسؤولية الكبرى في ابعاد شبح الشعور بالدونية من خلال التباهي والتفاخر بأنهما رزقا برزق رزق به رسول الله (ص) وهو هذه الريحانة فهذا له الاثر الاكبر في زيادة ثقة الفتاة بنفسها مع الالتفات الى اشباع روحها وفكرها بكلمات الحب والعطف وهذا مما تحتاجه المرأة وجعلها موضع احترام امام اخوتها وزميلاتها وقريباتها فكل ذلك يصل بنا الى اسرة حافلة بنساء واعيات يدركن ان عليهن تقع مسؤولية كبرى وعظمى في ذات الوقت الا وهو رفد المجتمع بنخبة مباركة من الابناء الصلحاء الذين بهم تزدهر الامة وتتألق الى مدارج الكمال.
اضافةتعليق
التعليقات