من منّا لم يواجه أشباح النفس بكل أنواعها من الكسل والملل، الكآبة، القلق، الجمود، التقاعس والخ.."، هناك من يتفنن بتجاوزها بأقلِ خسائر وكأنها لم تكن وهناك من يعلق بأحدها حتى يتلبسه بملئ كيانه.. والمخيف بهذه الأشباح أنها ذات تأثير شامل مع الزمن! أي أنها تسيطر على حياة الشخص بالكامل وليس على زاوية معينة فحسب، لهذا وجب علاج النقطة السوداء وحذفها بفور حدوثها.. وهذا لا يحدث أبدا من دون قرار وإرادة ومن ثم التغيير الإيجابي الذي يعقبها لكي يستعيد الشخص أناته وسكينته وسلامه النفسي.
ولكن.. الموجة الحديثة أصبحت مخيفة أكثر من أشباح النفس ذاتهم، إنهم إن وجدوا عالّة واحدة بحياتك صبّوا عليك أحاديث التغيير بكل أنواعه متناسين عمق تأثير الكلمة وقوتها على حرق حياة المتلقي؛ "تغيّر، تحرّك، إنهض، إحذف، إجذب، إدفع .." وكأننا في خضمّ معارك متلاطمة بلا هوادة لكي نربح السلام!.
لا أحد ينكر بأننا نحتاج التغيير بين فينة وأخرى بل ولكي تتحسن جودة الحياة للأفضل ولكن السؤال يكمن بأي نوع تغييرٍ نتغير؟!
يَذكر المدرّب العالمي الدكتور ابراهيم الفقي حكاية امرأة مديرة لأحدى الشركات المعروفة والتي تربّعت على منصبها بجهدها وعزيمتها ومثابرتها، كانت تعطي دون ملل ووقفة بل بتفوقٍ وحب للعطاء إلى أن أتى يوما غدت هذه المديرة جليسة المنزل، تكبّلت بالصمت لا تتحدث ولا تأكل ولا ترى أحدا، بل جُلّ اهتمامها مشاهدة التلفاز والخمول بزاوية التقاعس بإستمرار دون إكتراث لمنصبها الذي أغلقت الضوء عليه بيديها وحين تفاقم الأمر أوصلها الوضع إلى الدكتور ابراهيم ليعينها على حلّه وكان الحل وبكل بساطة "كسر الروتين" طلب منها السفر والتنزه مع من تحب وأخذ استراحة جيدة من العمل وبعد ما عادت كان رصيدها النفسي والروحي ممتلئ بالشحن الأخضر والوقود الإيجابية المعينة على الحياة. لم يخبرها الدكتور بأن تترك عملها الذي أوهن ظهرها أو أن تتخلى عن أحلامها ومناصبها بل أوجد لها الحل الأنسب والذي تحتاج، هكذا بكل بساطة!.
ولكن الآن حين يرون عينك حيرى أمام الحياة يلقونها عليك بعنف؛ "تغيّر وأقلب حياتك" ودون أن يعلموا قدراتك الذهنية والنفسية والمعنوية والجسدية حتى وما يعنونه ربما؛ غيّر عملك أصدقائك شخصيتك نفسك لكي يودعونك بزاوية الصدمة بعد ذلك وحينها تندهش كيف ستصنع انسانا آخرا بداخلك بهذه السرعة مع قدرات لا وجود لها بكيانك من الأساس!.
إن الحياة تغدو بِركة خامدة بلا تغيير ينعشها ولكنها إن كانت منظمة مع خلل واحد لنغير الخلل لا النظام.. وإن التغيير الايجابي يبدأ حين تعرف أين تكمن المشكلة لا بصنع مشاكل أخرى بحجّة التغيير.
اضافةتعليق
التعليقات