التعريف بالقيم المحمدية ونشرها هو محور أساسي ومسؤولية كبيرة على كل مسلم الاهتمام بها، وتتجلى ضرورة هذه المهمّة أكثر مع انتشار الجرائم وتزايد حدة الصراعات بين الأديان والأزمات الخطيرة التي تتمخض عنها وأوّلها هو تشويه صورة الاسلام ونبيّه.
من أصغر دائرة إلى أكبرها، من علاقة الانسان مع نفسه، إلى وضع الأسرة وأطرافها، وصولاً إلى النزاعات الدينية والمذهبية، هناك عدة أسباب لكل هذا التأزّم وآثار جمّة ونتائج، لكن مايهمنّا اليوم هو العلاج الناجع، فتشخيص المرض واضح وأسبابه معروفة ونتائجه ظاهرة ويعرفها حتى الطفل، فوسائل الاعلام تبثّها بكافة تفاصيلها ومعطياتها.
من تزايد حالات الانتحار، إلى جرائم الآباء والأمهات بحق أطفالهم، وصولاً إلى الهجمات الشرسة على المسلمين، إحدى أهم العلاجات لكل هذه الحلقات المأساوية هو صنع قوّة مضادة لكل مايحدث ومنها: قوة التسامح.
يمكننا التعرف أكثر على معالم هذه القيمة المفقودة في العالم، من خلال مطالعتنا لسيرة رسول الانسانية والتسامح محمد صلى الله عليه وآله، ونسرد في هذا المجال حادثة اختلف الرواة في سرد تفاصيلها، وفي مجملها محاولة اغتيال الرسول من قبل رجل يقال له: دعثور بن الحارث، وقد خرج في أربعمائة وخمسين رجلا ومعهم أفراس، بعد أن نزل رسول الله وادياً بعيداً عن أصحابه، فقالت الأعراب لدعثور وقد كان سيدهم وأشجعهم: قد أمكنك محمد وقد انفرد من بين أصحابه.
فاختار دعثور سيفاً من سيوفهم الصارمة ثم أقبل مشتملاً على السيف حتى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوراً، فقال: يا محمد من يمنعك مني اليوم؟
فقال له صلوات الله عليه: الله.
وتدخلت الارادة الالهية فوقع دعثور وسقط السيف من يده، فأخذ السيف رسول الله وقام على رأسه وقال: من يمنعك مني؟
قال: لا أحد، وشهد الشهادتين..
فأعطاه رسول الله سيفه..
أدبر الرجل.. ثم أقبل بوجهه، وقال: والله لأنت خير مني.. ومن يومها أصبح دعثر يدعو قومه إلى الاسلام..
هذه الحادثة من ضمن الكثير من المواقف التي صفح بها الرسول عن المسيئين إليه بل وعلى المعتدين عليه وكان يملك الحق الكامل في الرد على كل تلك الهجمات..
وما نشاهده اليوم من حوادث كحادثة قتل الأستاذ الفرنسي وقطع رأسه هي خلاف منهج الرسول في التسامح، وكذلك الهجمات والتضييق على المسلمين بسبب هذه الجريمة الشخصية هو خلاف العدالة أيضاً.
قوة الغضب والجهل تغلبت على بعض المسلمين الذين لا يمثّلون شريعة محمد، فاعتدوا بالعنف على كل من أساء لرسولهم، وكذلك قوة العنصرية والجهل بحقيقة الاسلام جعلت الآخرين يسيئون لنبي من أنبياء الله وشخصية مقدسة بالنسبة لأتباعه.
وكذلك قوة الحقد الأعمى ورد الصاع بمئة هو من جعل الأب يحرق ابنه والأم تقتل فلذة كبدها والابن يذبح أخيه وصديقه..
قوة الاستسلام للحزن والخطأ والضعف هو من يجعل شبابا بعمر الزهور ترمي أو تشنق نفسها.
أمام كل هذه القوى السوداء تبرز أهمية وضرورة قوة التسامح، تسامح الانسان مع نفسه، ومع أخطاء الآخرين وإساءاتهم واعتداءاتهم اللفظية والجسدية..
ونحن هنا لا ندعو إلى التغافل عن كل مانتعرض له شخصياً أو اجتماعياً أو دينياً، بل بمواجهة ذلك بطرق ووسائل تليق بكوننا مسلمين يدينون بشريعة تطفح بالحب والصبر والمداراة..
بطبيعة الحال يتوجب علينا ابداء ردة فعل تقابل كل ما نتعرض له من تجاوز وذلك حق مشروع ولاسيما في قضية الاساءة إلى الرسول محمد، فهناك مقدسات وخطوط حمراء، تتطلب عدم السكوت لكن الرد يتخذ أشكالاً كثيرة غير العنف والارهاب.
أما في التجاوزات الشخصية، فالترفّع عن الكثير منها هو أرفع درجة، يقول تعالى: "وإن تعفوا أقرب للتقوى". فذلك يختصر علينا تبعات قد لاتحمد عقباها وعلى كافة المستويات العامة والنفسية.
فالمنهج النبوي يحث على العفو والتسامح وبنظرة فاحصة للكثير من مواقفه صلوات الله عليه نرى أن أعدائه أصبحوا أتباعا له نتيجة تعامله الأخلاقي.
وكذلك كان منهج حفيده الامام الصادق عليه السلام، وأجمل صور التسامح في عصره كان انفتاحه على مختلف المذاهب الاسلامية وتياراتها المتعددة، وقد كان يفتي صلوات الله عليه بحسب مذهب كل واحد منهم، وكان يأمر أصحابه بذلك أيضاً.
فكانت شخصيات أصحابه منفتحة على الآخر بعيدة كل البعد عن التطرف والعنصرية، بل كانوا يتعاملون مع الآخر بالحوار والاعتدال والاحترام والتسامح.
يقول الامام الصادق عليه السلام: "إنّا أهل بيت مروّتنا العفو عمّن ظلمنا"..
وعن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله يقول: العفو لا يزيد العبد إلا عزّاً فاعفوا يعزكم الله.
اضافةتعليق
التعليقات