بعد مرور كل هذا الوقت ونحن على اعتاب نهاية الصيف نستشعر بالهواء المحمل بالحرارة يندفع الى داخل اجسادنا ويعيد بث الظمأ في حناجرنا فنرتشف جرعة من المياه لنملأ هذه الفجوة التي تفوح لهيب، لكن مايجعلنا نصبر أكثر هو ذاك الأمل الذي يقول حتما بعد لهيب الصيف هناك صقيع محتم الوقوع ومطر مقدر النزول وبرد لامهرب منه، هكذا هي الأقدار تصاغ وتخبر الجميع أن بعد كل نهاية بداية فبعد الولادة مسؤولية وبعد النجاح مراتب عالية وبعد الألم أمل يلوح في الأفق وبعد ظلمة أرواحنا نور يشع وحتى الموت بعده بداية جديدة خارج أسوار الجسد وعالمنا المرعب..
فلما هذا اليأس من اقدار كتبت ونحن متمسكين بلون الأحلام التي حتما ستصبح ماض وانطوى أما تحقيق او رحمة من الله فلا يأس باق ولا عمر دائم، لما نصبح صدى لغيرنا بينما ننسى انفسنا، نصبح صدى لمن قال ان الألم يقتل فنقتل انفسنا ونحن تحت ظل رحمن رحيم، وصدى لذاك وهذا ونترك زمام انفسنا بأيدي اشخاص خلقوا من ذات طينتنا وخالقنا وخالقهم واحد.
لما نترك عقولنا نائمة بينما نرحب بفكرة انهم اعلم اوليس العلم لله وحده وامرنا بأن نتعلم ولم يحدد شخص بل قال الانسان عامة، أليس من الافضل بنا ان نعرف عن انفسنا مايجب بدل ان يخبرونا مانفعل ودون وعي منا ان كانت اقوالهم صائبة ام لا السنا بشر ونمتلك عقل، هل تسائلت يوما من انت؟
حاكم ام محكوم انسان ام شبه انسان، هل حقا تمتلك جوابا لهذا السؤال، فهو سؤال مفتوح وجوابه متعدد فلربما اليوم نجيب لكن غدا نرى انفسنا قد تغيرنا لموقف او لخذلان فنغير الاجابة وسنبقى نتغير لأن التغيير هو سنة الحياة لكن المهم هو محاولاتنا المتكررة وعدم وقوفنا كالتماثيل صم بكم ننتظر احد ليحركنا بينما نحن نمتلك ذات المقومات فالحقيقة لاتعدو كونها اننا نريد الاتجاه الصحيح وهو يأتي عندما نؤمن بكل فعل نفعله لا مايرشدوننا عليه دون ان نفكر به.
فمن كرمه تعالى أن علّم الإنسان ما لم يعلم وشرف الانسان وكرمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به أبو البشرية آدم على الملائكة والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون في اللسان، وتارة يكون في الكتاب. ومع قوة الانفجار المعرفي، والتقدم الصناعي، الذي أصبح الإنسان به مخدوما، وفي الوقت ذاته قلقا مضطربا، نحتاج إلى تأملِ قوله تعالى: ﴿عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 5].
خدمة يقدمها التطور للإنسان في مآكله وملابسه ومراكبه، في حره وفي قره. وسائل للاتصال، وأخرى في سرعة الانتقال، يسرت الحصول على المعرفة، وسهلت وصول المعلومة، فبينما كان طالب العلم سابقا يقطع مئات الأميال، من أجل أن يحصل على حديث واحد، أصبح الآن يفتح الكتاب فتقع عينه على ما يريد، وأسهل من ذلك: يضغط على أزرار الحاسوب فإذا ما يريد أمامه.
وبعد كل هذا التطور يجب عليك ان تقرر اما أن تكون انسان او صدى لشخص خلق مثلك ويمتلك ذات مقوماتك لكن الفرق هو انه اختار ان يستخدم العقل الذي وهبه الله له ويتعلم الحياة فالتعليم لايتوقف على من يقرأ ويكتب بل يشمل الجميع والنقطة المشتركة هي التفكر والابتعاد عن منطق ماوجدنا عليه آبائنا الاولون كما قال تعالى (إِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) (104). تأمل قليلا في هذه الآية، ماانزل الله هو كل مايمر علينا من احداث الحياة ومشاعر وافكار، فالحزن والفرحة رسول، الفشل والنجاح رسول وكذلك الفقر والغنى رسول ولكن للأسف الكثيرون من الناس اليوم يعيشون في قمة الحزن والفشل والبؤس واليأس ولو نظروا قليلا لأبعد من تحت اقدامهم لوجدوا انهم بعيدين عن المنطق والتفكير كل البعد.
يجب أن تنظر للحياة بشكل أكثر عمقاً، ما تعيشه في حياتك الآن من ظروف لم تخترها، ولدت لتجدها هي ما أنزله الله لك (اسمك والديانة والوطن والمجتمع والبيئة المحيطة بك..)، والرسول هو كل أحداث الحياة تقريباً سواء المحزنة أو المفرحة، الناجحة أو الفاشلة في نظرك، كل شيء في حياتك رسول، تصور ذلك.. تفكر قليلاً.. تأمل ذلك قليلاً!.
وأحد أجمل تلك الآيات هي الآية التي تقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون).
عليكم أنفسكم فقط .. ولا أحد يستطيع أن يضركم حتى آباءكم.. حتى مجتمعاتكم الفاشلة..
وفي النهاية يجب علينا ان نكون الصوت لا الصدى لنتفكر في هذه العبارة البسيطة ولنعمل بمقتضاها، وإني على ثقة اننا ان عملنا بهذا القانون سينعكس واقعنا من الدون الى مرحلة لم يصل اليها احد بعد، فنحن مبدعون ومخلصون لما نؤمن به واصحاب حق.
فقط علينا ان نكون المبادرون بأصواتنا وليكن غيرنا هو الصدى..
اضافةتعليق
التعليقات