قرأت هذه الجملة واستغربت لأن البعض لا زال يُؤْمِن بها: (ضعف المرأة اقدم سطر في كتاب الانسان) ولكن هل هذا الكلام صحيح؟
يقال بأنها ضعيفة عندما يراد أن يصنع منها آلة تتحرك!
يُظن بأنها ضعيفة ولا تقوى على فعل أي شيء،
ولكن هناك نساء سجلن مواقف في ذاكرة الدهر مواقف تفوق قدرة الرجال على اتيانه، نساء كنّ أفضل من الرجال في صمودهن ووقفن في وجه الظلم والطغاة، نساء أصبحن أسوة لأمثالهن كي لا يبقى مجال للتفوه بالكلمات السلبية في أي زمن وأي مكان، مسحن هذه الجملة (لا أستطيع) من قاموسهن كي يتقدمن نحو القمة وأصبحن من عظيمات الدهر وفتحن بوابة الخلود لأقرانهن.
امرأة عظيمة من الكوفة سجلت موقفا استثنائيا في تلك الآونة التي كان الغدر والنفاق من أسمى صفات المجتمع ولم تضعف بكونها امرأة ولم تتفوه بكلمة (لا أستطيع لأَنِّني امرأة) ولكن تفرّدت في فعلتها ونصرتها لأهل البيت عليهم السلام وأصبحت من أنصار امام زمانها عندما كانت تكتظّ شوارع الكوفة من أشباه الرجال (المنافقين والخونة)، لم تتبع الجميع ولَم تقل الجميع يفعل هذا!
بل سلكت وحدها طريق الحق..
من المدهش أن تسلك إمرأة طريق مختلف وتدع كل شيء وراء ظهرها فقط وفقط لنصرة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فأثبتت أن المواقف العظيمة والخالدة ليست للرجال فقط بل كما قال الشاعر:
ولو كنّ النساء كمن ذكرنا لفُضّلت النساء على الرجال
فلا التأنيث باسم الشمس عيبُ ولا التذكير فخر للرجالِ
طوعة كان بإستطاعتها أن تقول كما يقول بعض النسوة في يومنا هذا، انني ضعيفة، لا أستطيع، يجب أن أبتعد عن الساحة! كانت بسهولة تجد أعذار واهية كما نجد نحن!
هي أيضاً كانت امرأة كباقي النساء ولكن كانت تحمل في قلبها الدر الثمين والياقوتة الحمراء وهما الحب والاخلاص لأهل البيت عليهم السلام وهذا الحب نور طريقها كي تنال وسام نصرة امام زمانها الحسين بن علي (عليه السلام).
يكفيها فخر أن يذكر اسمها مع اسم سيد الشهداء في واقعة الطف وتكون من اللذين لبّوا نداء امام زمانهم..
لا زال اسم هذه العظيمة (طوعة) يسطع نورا في سماء كوفة،
فقد آوت مسلم بن عقيل سفير الامام الحسين بن علي عليهم السلام في بيتها بالكوفة، بينما كانت تطارده السلطة وتريد القاء القبض عليه بعدما انقلبوا أهل الكوفة على أعقابهم..
كانت تعرف حق المعرفة ما يمكن ان يصيبها من ظلم من قبل الوالي لأن الأجواء كانت تنبئ عن خيانة عظيمة، رائحة الغدر كادت تخنق أصحاب الحق ولكن جعلت الدنيا وراء ظهرها وتقدمت مسرعة الى جنة عالية كانت ترى بوضوح بصيص النور في نهاية الطريق لذلك تمسكت بثبات ودافعت عن معتقداتها.
كانت تعلم من يتعاطف مع مسلم بن عقيل سيكون مصيره الموت ولكن اختارت الموت على العيش في تلك الأجواء السامة، لم تتردد في إختيار مصيرها في نصرة ال محمد (صلى الله عليه واله) بعد ان علمت ان كل الابواب في الكوفة قد اغلقت في وجه أنصار الحسين عليه السلام ومبعوثه الخاص، آوت مسلم بن عقيل ووفرت له الحماية والأمن بعيداً عن اعين السلطات، بعد ان كان حائراً متردداً في ازقة الكوفة، لا يدري الى اين مأواه وملجأه، احاطت به تيارات من الهموم بشأن مولاه الحسين عليه السلام وماذاسيفعل به هؤلاء المنافقين الخونة..
ظل مسلم يمشي وحيدا ليس معه من يدله على بيت يختبئ فيه وقد بلغ به الحزن مبلغه فوصل إلى دار امرأة تدعى "طوعة" فطلب منها الماء وبعد حديث دار بينهم عرفت أنه مسلم بن عقيل فضربت رأسها من الصدمة وأقسمت على حمايته فاستقبلته في دارها. وكان لها ابن من أنصار الأمويين فرأى مسلم في البيت وعرف أوصافه فأسرع لإبلاغ الشرطة بذلك..
لم يمر وقت طويل قبل أن يحاصر منزل ابن عقيل فخرج مسلم ابن عقيل يقاتل الجنود حتى لم يقدروا عليه على كثرة عددهم، فعرض عليه محمد بن الأشعث الأمان مقابل أن يرمي سلاحه فقبل مسلم ابن عقيل ذلك. فدمعت عيناه عند اعتقاله، فهون ابن الأشعث عليه فقال له: "إني والله ما لنفسي أبكي، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفًا، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إلي، أبكي لحسين وآل حسين".
واقتادوا ابن عقيل إلى قصر الإمارة حيث عبيد الله بن زياد الذي لم يكثرت للأمان الذي وُعِدَ به ابن عقيل فأمر بقتله ورموه من فوق القصر وكان ذلك في 9 من ذي الحجة 60هـ.
بعداستشهاد سفير الحسين (عليه السلام) أمر ابن زياد بإلقاء القبض على طوعة وهدم دارها، ثم كان مصيرهاالسجن،
وبعد ذلك خرجت بواسطة مساعدة احد الأشخاص ولكن تمرضت وأودعت هذه الدنيا الفانية، فسلامٌ على قلوب لم تعرف معنى الخوف.
اضافةتعليق
التعليقات