اسم الكتاب: يأتينك سعيا
المؤلف: مريم المدحوب
عدد الصفحات: 178
دار النشر: مؤسسة المعصومين الأربعة عشر
لقد احتضنني التوفيق، بينما كنتُ أحسبه حلماً جميلاً، لوهلة كنتُ لا أدرك سرّ وجودي هنا، أراني مخضّر الروح بعد إذ كان اليبوس يلفّني، ويكاد يكسرني!
أناغصنٌ أخضر على شكل إنسان، قريبٌ من الغصن، قريبٌ جداً!
قدماي المتورمتان لا أشعر بهما، وجفوني تركت عينيّ عاريتين تمارسان طقوسهما بذرف الدّموع والتأمل، قلبي يخفق بشدّة:
اهدأ يا عبّاس، اهدأ لحظات وتصل، لحظات وترتمي بين أحضانه الدافئة، تُقلب خدّك عنده، وتبكي! كل ماعليك الآن هو تهيئة روحك واستحضارها..
تحكي الكاتبة مريم في هذه السطور قصّة مسير الشاب (عباس) نحو قبلة العشق ابا عبد الله الحسين في أربعينيته المليونية، وفي أثناء هذه الرحلة الملكوتية تصف مشاعر وعواطف كل زائر وليس فقط عبّاس _الحزين التائب_ والذي يولد من جديد في هذه المسيرة العظيمة.
في بداية الكتاب بدأت المؤلفة بعنوان: حين أحياني، إذ تتكلّم بلسان حال عبّاس فيقول: أنا عبّاس.. للتو صرت حياً بعد إذ كنتُ كائناً مجففاً، ومنذ هذه اللحظة قررتُ أن أكتب.. لاأعرف من أين يجب عليّ البدء، ولكننّي أعلم أن الكتابة أصبحت أمراً واجباً عليّ.
ستقرؤون كلمات ومواقف بها من الجروح حدّ الفجيعة، ستندبون وستبكون وستعرفون وترتقون!
وتبدأ رحلة عباس (اللقلق) _كمّا يلقبّه أصدقاءه_ عند وصوله مدينة النجف الأشرف في احدى الليالي الباردة، حيث لم يستطع النوم فهو في أرض عليّ، هذه الأرض المتصلة بالسماء..
ويتعرّف عباس في هذه الرحلة على شاب اسمه زيد الأمين الذي يقرض الشعر، وقد رغب عباس بالانعزال والوحدة في (رحلة مع الذات) كما يصفها فقرر رفض طلب زيد بمرافقته الزيارة والمشي، ولكنّه يكتشف فيما بعد أنّه كان مخطئاً في قراره هذا..
وفي حرم المولى يقطع عباس وعداً مع الامام بالتوبة، ويطلب من الله الهداية والشفاء والرجوع اليه بجاه الامام عليّ..
وفي أثناء الزيارة كأنّ هاتف يناديه بأنّه قد أخطأ حين فكّر بالانعزال عن جموع الزائرين ظنأً منه أنّ ذلك سيوصله لمبتغاه، فليست العزلة والوحدة هي الطريق للحسين، كان يودّ الخلاص من الارتباط، وهذا مادفعه لرفض مرافقة شاب من خيرة خدمة الامام الحسين(ع)، (فزيد هذا كان يفترض بك مرافقته)..
ويتوسل ويستنجد عباس بحلاّل المشاكل، ولطف الأمير يجمعه مرة أخرى بزيد تحت قبّة عليّ، ويتكوّن بينهما رباط الصداقة المقدّس وفي أجمل مكان، فيرافقه مع بعض الاصدقاء في طريق الحسين..
ويستشعر أثناء الطريق كل الجروح، نوقٌ هزل، عجاف، لاستر ولاغطاء، صرخات ثكلى، أنين، قيدٌ وجامعة كبّلت يد إنسان حرّ..
ويتساءل عباس مع نفسه: كيف بوسع رجلٍ واحد أن يجذب كل هذه الملايين البشرية؟
أن يحييها بعد موتها؟ إنّه الحسين وكفى، (في كل مرّة أجيبني بهذا)..
وتتوالى السطور والمشاعر الجيّاشة والدموع التي تغسل الروح أثناء قراءة مشاهد من هذا الطريق العجيب ومنها كيف استضافت امرأة عجوز للشابين ودعتهم الى بيتها المتواضع ب "ثواب الحسين"، وقد حكت لهم عن قصّة فقدها لابنها جمال الذي قتله الطاغية صدّام..
وتستمر الكاتبة بقريحة عذبة وصف مواقف ومشاعر الشاب عباس، وكيف وصل لأرض كربلاء وولج للجنّة العباسية أولاً، حيث بددت منارة العباس المضيئة الظلام الساكن في داخله، وهو لاينسى فضله العظيم مذ كان في عالم الأرحام، فقد رأى فؤاد والدته من آياته الكبرى..
وقد آثر أن لا يدخل البيوت إلا من أبوابها، فخرج من العباس قاصداً نحو الحسين، حيث العروج زحفاً، ويخطو مع الامواج البشريّة من الصفا للمروة، ويندب جبل الصبر زينب مفجوعاً بمصابها وجراحها المقدّسة ليجد نفسه أخيراً ضمن دائرة الضوء: (شكراً لك سيدي.. شكراً لك ياذبيح الله الأعظم)..
فعلاً "لو علم النّاس مافي زيارة الحسين من الفضل لماتوا شوقاً وتقطعّت أنفسهم عليه حسرات"..
كتاب جميل يُقرأ بعين القلب، لتجد نفسك _وان كنت بعيداً عن كربلاء_ بين جموع الزاحفين والطوفان البشري، تنشج وتبكي وتلطم، ترتعش هيبةً عندما ترى القبب الذهبيّة تعانق السماء، وتسمع آهاتك وصوتك الهادر ينادي مع الموالين: صلى الله عليك يا أبا عبد الله.
اضافةتعليق
التعليقات