إن الإسلام يؤمن بأن مسؤولية المرأة هي كمسؤولية الرجل، ولذلك فان القرآن الكريم يطلق خطاباته لتشمل كلاً من الرجل والمرأة؛ فهو إما أن يقول "يا أيها الناس" أو "يا أيها الذين آمنوا". ومن المعلوم ان تعبيري الناس، والذين آمنوا، ينطبق على الانسان بصورة عامة بغض النظر عن كونه ذكرا أم انثى. وهكذا فإن الخطاب القرآني موجه إلى كل الناس، سواء كانوا رجالاً أم نساءً، ومن الخطأ أن نخصص المسؤوليات الدينية بالرجال.
ومثل هذا التصور المغلوط هو افراز لعهود التخلف والانطواء، والهروب من المسؤولية، والغيبة عن الساحة. فالكثير من المسلمين يتصورون خطأ ان النساء غير مسؤولات عن الواقع الاجتماعي، في حين اننا نرى ان المرأة طيلة تأريخنا الإسلامي المديد كانت تشارك الرجل في كـل المجالات الاجتماعية بلا استثناء؛ والمثال الواضح على ذلك خديجة الكبرى (سلام الله عليها)، وفاطمة الزهراء (عليها السلام)، والعقيلة زينب (عليها السلام) وغيرهنّ من النساء اللاتي اشتركن بشكل مباشر في العمل الرسالي والنشاط النهضوي، وكنّ شاهدات على ان الإسلام يدفع المرأة للمساهمة في تحمل المسؤوليات الاجتماعية والتربوية. وحتى في عصرنا الحديث نرى ان المرأة قد قامت بين الحين والآخر بأدوار جبارة؛ والمثال الواضح على ذلك، ثورة العشرين في العراق التي ساهمت فيها المرأة المسلمة مساهمة فاعلة؛ وثورة التنباك في ايران، والتي يروي لنا التأريخ ان المرأة هي التي فجرت هذه الثورة، حيث خرجت في اليوم الأول تظاهرة نسائية ضد ناصر الدين شاه في طهران.
اما في عهود التخلف التي لم تشهد قيام أية نهضة، فقد كان المجتمع يوحي للمرأة ان عليها ان تجلس في البيت فحسب. لا شك ان هناك ثمة عقبات تعتري دور المرأة، وتحد من مشاركتها في الاعمال التي يقوم بها الرجل والمسؤوليات الملقاة على عاتقه. ومن تلك العقبات ما يلي:
١-الضغوط النفسية والاجتماعية
ان النساء قد يشتركن احيانا في بعض الاعمال، ولكن خلفية الجمود والجبن، وعدم الشعور الكامل بالمسؤولية... هذه الخلفية تمارس الضغط عليهن.. حالهن في ذلك كحال الانسان الذي يريد ان يتسلق مرتفعا، ولكنه يحمل معه حملاً ثقيلاً. فمن جهة نرى ان عنده اندفاعا للصعود، ومن جهة اخرى نرى ان الثقل يحاول ان يسحبه ويبطئ من حركته. فالمرأة في مجتمعاتنا تحاول ان تعمل وتتحرك، ولكن المجتمع يقف حائلا دونها. وفي بعض الاحيان نرى الثقافة التبريرية هي المترسخة في ضمير المرأة، فهذه الثقافة توحي اليها ان ليس من الواجب عليها ان تعمل شيئاً.
٢- الزواج ومسؤوليات البيت
قد يؤدي الزواج بالمرأة المسلمة العاملة الى تحديد نشاطها، أو انسحابها منه بشكل كامل، بسبب عدم قدرتهنّ على التوفيق بين مهام الزواج ومسؤوليات العمل الرسالي. فهناك الكثير من النساء كن يعملن ويجاهدن، وكانت الواحدة منهن تمثل كتلة من النشاط والتحرك، ولكنهنّ - للاسف الشديد - لم يعرفن كيف ينتفعن من الزواج ويحولنه الى باب للمزيد من العمل والنشاط، والجمع بين العمل البيتي والعمل في سبيل الإسلام. وللاسف فان القسم الاكبر من نسائنا يتصورن ان مهمتهنَّ في الحياة تتلخص في الاهتمام بالبيت والزوج والأولاد.. وهذا تصور صحيح، شريطة ان هذه المهمة على جميع جوانب حياتها، فعلى الانسان ان يوفق بين جوانب حياته.
٣-الجوانب الخلقية المبالغ فيها:
ومن المشاكل الأخرى التي تقف عقبة في طريق مشاركة المرأة في ساحة العمل الجوانب الخلقية المبالغ فيها. فهناك البعض من النساء غير مستعدات لان ينتمين الى مجموعة عاملة من النساء يديرها أحد الاخوة المؤمنين ويستصعبن على أنفسهن ذلك، لتصور هن ان هذه الحالة تسلبهن شخصيتهن. في حيث ان العمل مع اخوة مؤمنين يكرس شخصيتهم وينميها. أضف الى ذلك فان طبيعة العمل الرسالي تقتضي ان تتوزع المهام، وان تكون هناك عناوين واسماء يعمل الانسان من خلالها. كما يتطلب التفاعل مع من يتصدى لشؤون العمل.
٤- عدم معرفة الاساليب المناسبة للعمل:
عدم معرفة المرأة لأساليب العمل المناسبة لها، فهناك البعض من النساء يتصورن ان الابواب مغلقة امامهنّ، ومن الطبيعي ان المجتمع يحاول هو بدوره ان يغلق هذه الابواب في وجه المرأة، فمجتمعاتنا لا زالت تعاني من التخلف الكثير الكثير. والذي يزيد الطين بلة، ان المرأة تتهيّب وتستصعب عملية فتح تلك الابواب والمبادرة الى دخول المجالات الكامنة وراءها. وهكذا فان الكثير من الاعمال بحاجة الى ارادة واندفاع وشجاعة، لكي يستطيع الانسان ممارستها وفتح ابوابها المغلقة.
الا اننا – للأسف – لا نبادر الى ذلك بحجة ان الآخرين لم يبادروا إليه. وإذا ما سلّمنا جدلاً بان المرأة لا تستطيع اقتحام المجالات المغلقة امامها، فأنها تستطيع – على الأقل - ان تساهم بشكل فاعل في حقول العمل المفتوحة أمامها؛ من مثل التأليف والعمل التعليمي... فمثل هذه الاعمال وغيرها من الممكن للمرأة ان تمارسها دون ان تخل بأعمالها المنزلية. ومن جملة الاعمال الاخرى التي تستطيع المرأة المسلمة ان تزاولها دون ان تصطدم بأية عقبة؛ عملية تربية النساء الاخريات وارشادهن. وبالطبع فان هذه العملية بحاجة الى شجاعة وصبر من قبل المرأة التي تمارسها. فالإنسان الذي يريد ان يوجه الآخرين يجب عليه ان يتحمل الصعوبات أكثر من غيره. والمرأة يمكنها ان تقوم، ولا سيّما في المراحل الأولى من العمل بتوجيه مثيلاتها من النساء، وان تتحمل في سبيل ذلك الصعوبات المتمثلة في الحواجز النفسية التي هي من افرازات عهود الجهل والتخلف. وحينما ندعو إلى ازالة هذه الافرازات، والقضاء على التحجّر، يجدر ان نتسلّح بشجاعة بالغة وارادة قوية ومثابرة عالية وعدم الشعور بالتعب.. وعلى هذا؛ فان القضية المهمة التي يجب التوجه إليها بجدية هي قضية مقاومة الرواسب الجاهلية، وضغوط الشهوات لأجل ان تأخذ المرأة مكانتها الطبيعية في المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات