لا زلت أتذكر أولى أيام صيامي قبل تكليفي حيث كان شهر رمضان متزامناً مع موسم المدارس، وكنا في مدرسة ذات دوامين، صباحي ومسائي، بعفوية طفولتنا نستيقظ مبكرا نلعب وندرس ونشاهد التلفاز وحين يأتي وقت الدوام المسائي نذهب إلى المدرسة، هناك كنتُ ابدأ بالشعور بالجوع خصوصا وأنا أرى زميلاتي يتناولن مختلف الأطعمة فضلا عن المياه والعصائر، وأنا يجب أن التزم بعهدي وأبقى صائمة كان الأمر أحيانا يُشكل مشقة عليّ وأرفض فكرة أني صائمة وهم يتناولون الطعام.
أحيانا كنت أحاول مشاركة الطعام مع زميلاتي لكن يردعني وعدي لأمي، في حالة التدريب لم نكن نفقه فريضة الصيام كما نعيها اليوم، نمارسها كفرض نقلد فيه أفراد العائلة وتحدٍ نخوضه حتى نثبت بأننا أقوياء ونستطيع التحمل، لمرةٍ أو مرتين خانتني قوتي وشربتُ مرة لبن واخرى قاسمتني صديقتي بعضًا من طعامها ومع اصرارها تناولتُ قليلا منه لكنّي بعد ذلك شعرتُ بندم كبير، هذه اللمحات من الذاكرة تراءتْ أمامي حين رأيت بعضا من طالبات المتوسطة والإعدادية وحتى الطلاب وهم يتناولون الطعام أمام زملاؤهم الصائمين بعذر أو بدونه، وانتشار هذه الظاهرة بين التلاميذ وتشجيع أحدهما الآخر على الإفطار، وبحجج غالبا ما تكون واهية خصوصا مع انتشار فكرة التسويف بالعبادة وتحجيم العلاقة مع الله بأنها علاقة حب في القلب، وهو رحيم ولا يفرض علينا مثل هذه الأمور، وإن فرضها فهو غفور، وغيرها من الفتاوى المغلوطة التي يناقشها هذا الجيل، فضلا عن مفهوم الحرية الذي لا ينتمي إليها بصلة، وغياب الحياء وغيرها من مشكلات العصر الحالي وابتلاءاته.
هذا الجهر المخالف للدين المنافي للأخلاق بصورة أساسية يقودنا إلى مسؤولية جماعية تجاه تفعيل مبدأ احترام الصائم بين الطلاب وتوجيه المعلمات والأهالي بأن ينهوا التلميذ عن الأكل أمام زملائه كي لا تنتشر ظاهرة التجاهر بالإفطار وانتهاك حرمة الشهر، وهذا الأمر إن لم يتم معالجته بالحديث والنقاش، والتعاون مع العوائل يمكن فرضه بوضع قوانين من قبل المدرسة لمنع تفشي هذه الظاهرة، وتفعيل درس الإسلامية بما هو منهج تربوي اخلاقي أكثر من كونه احدى المواد المفروضة على التلميذ.
وفي النهاية نختم بالحديث الذي يجب دائماً أن نذكر ابنائنا به خلال أداء هذه الفريضة والمروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى. قال: الصوم يسوِّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه" وعلى الجانب الصحي فيقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "الصِّيَامُ أَحَدُ الصِّحَّتَيْنِ".
اضافةتعليق
التعليقات