يتفق علماء النفس في أن منشأ الخوف هو ما انتاب الانسان من ألم وتجربة مرة في فترة الطفولة لازالت متأصلة وثابتة فيه، وهنا يمكن الاشارة إلى ما ذكره (فرويد) حيث اعتبر أن الخوف المرضي ناتج عن تجارب مرة في فترة الطفولة.
يقول أن الطفل يتأثر إذا عضه الحيوان في فترة الطفولة ويعمم ذلك إلى غيره كالحصان، ويخاوف من الذهاب في الشارع لئلا يواجه حصاناً في الطريق ويعضه.
ويعتبر آخرون أن تهديدات الأبوين في فترة الطفولة وتجاربه في هذا الاطار هي من عوامل الخوف حتى بالنسبة للخوف المرضي كالوسواس، ويمكن الاشارة هنا إلى الخوف من الجراثيم في السنين اللاحقة والخوف من الظلام يولد أحياناً من تصورات عجيبة وغريبة، هذه التصورات تتجه تارة نحو المستقبل وتحصل تصورات سيئة لدى الشخص كأن يتصور وقوع الحالة الفلانية له في السنوات القادمة وهي عدم النجاح في الامتحانات وهكذا يجسد في ذهنه حادثة ما ويتصورها أنها حقيقة، تنجم المخاوف في بعض الحالات من الادراك والوعي، كالخوف من حيوان وحشي والخوف من شخص ثمل يحمل سكيناً بيده وهو عاجز عن المواجهة والمقابلة وعدم قدرته على انقاذ نفسه إذا هاجمه، أو الخوف من العبور في الشارع.
وقد تنجم بعض المخاوف عن التربية الخاطئة التي يمارسها الأبوان والمربون مع الأطفال في حالة الخوف، الأطفال يخافون من تغيير الأوضاع والبيئة ويزعجهم الابتعاد عن الظروف المألوفة إلى درجة أنهم يصابون بالأرق والهواجس إذا ناموا في غير بيوتهم ليلة واحدة، والخوف من الرعد ناتجاً عن الخوف من صياح الأب وشتمه وقيامه بالهجوم والضرب، كما أن أخذ أمه إلى الغرفة اثناء الرعد والبرق يمهد لشرطية الطفل بهذا الأمر وهو يمثل أساس خوفه.
ذكر بعض علماء النفس أن الولادات الصعبة تعتبر سبباً أساسياً للخوف وقالوا أن لحظة الخروج من الرحم هي لحظة الانسجام الصعب مع البيئة الخارجية، وإن على الطفل أن يئقلم نفسه مع حالة الضغط والألم والضوء والضجيج ونوع التغذية الجديد، وهو أمر يثير قلقه إلى حد التحير إلى حين، وتوجد في ضميره كمصدر للخوف ويقولون أن الجنون والخلل النفسي لدى الأشخاص يجب البحث عنها في هذا الاطار، إن الطفل الذي يدخل من عالم الرحم المحدود إلى جو غير متناه، لا يمكن أن تكون حالته عادية ويعيش حياة بدون خوف.
العامل النفسي عند الأطفال
إن العائلة والمدرسة والتجربة وأصدقاء الطفل والمحيطين به والمرض هي من عوامل خوفه والمربي بحاجة إلى معرفة الأسباب من أجل المعالجة.
١ ـ المشاهدات: يشتد خوف الطفل حينما يواجه مشهداً مفزعاً. فالطفل يخاف إذا كانت أمه مريضة وجاء الطبيب وزرقها الإبر، وتشتد درجة الخوف لدى الطفل الذي يخاف من الموت والقبر عندما يشاهد دفن أحد الاشخاص، خاصة دفن شهيد، أو يرى بدناً مجروحاً. وقد يتبدل هذا الخوف إلى كابوس وإلى أحلام مفزعة.
٢ ـ السماع: من عوامل اشتداد الخوف لدى الطفل هو ذكر القصص المثيرة للخوف، وكذلك طرح الوقائع التي تحدث عن التجارب اليومية. فقد تذكرون لعوائلكم أو أصدقائكم واقعة مثيرة للخوف، وتظهر مرارة الامر على وجوهكم اثناء التكلم عنها، فيصير هذا الأمر سبباً في اشتداد الخوف. ويشتد خوف الطفل أحياناً إذا سمع قصة في الاذاعة فيها مسألة يخاف منها الطفل، الحديث عن الجن والقصص المرعبة مثل القتل والتعذيب.
٣ ـ التجارب المرة: قد يخاف الطفل من القطة، إلا أنكم افهمتموه بعدة أدلة أن القطة حيوان أليف رغم أنها ضربته سابقاً بمخالبها وذاق ألم ذلك، فتقنعوه أن تلك الحادثة وقعت لمرة واحدة وأن القطة حيوان محبوب و ... الخ.
في هذه الحالة يتقبل الطفل لمس القطة وألفتها، لكنه إذا هاجمه هذا الحيوان مرة أخرى وضربه بمخالب، فمن الطبيعي أن يشتد خوفه وشعوره بالخطر.
فالأم التي تخاف من الصرصر، والأب الذي يفر من الفأرة لا يتمكنان أن يكونا أسوة في الجرأة والشجاعة للأبناء. فهذا الابن سيتخذ موقفاً أشد وينظر إلى الخوف بتفكير أكثر إذا كان لديه خوف قليل بعد رؤيته لذلك الوضع، سيظن أن من حقه أن يخاف لأن أباه وأمه يخافان وهما في ذلك السن.
ونحن نعرف حالات وضع فيها الأطفال ليلا في دهليز واغلق الباب عليهم كي يزيلوا عنهم حالة الخوف من الظلام وبعد ساعة دخلوا فوجدوهم موتى، وهذا تحذير للوالدين والمربين.
إن الأطفال شديدي الخوف بحاجة إلى الملاحظة أكثر من أي شخص آخر، لا إلى ممارسة الضغط والتهديدات، ويجب أن ينتبه الآباء والأمهات والمعلمون وخاصة معلمو الصفوف الأولى والثانية، إلى هذه الناحية اكثر، ويسعوا خاصة في الأشهر الأولى من السنة الدراسية إلى تلطيف اجواء الصف ليصبح مثل محيط العائلة، ويقل الخوف من هذه المسائل كلما تقدم الشخص في السن وبدأ يألف القضايا والحوادث (مثل الأطفال الفلسطينيين أو الأطفال في المناطق الحربية في ايران والعراق، وحاليا سوريا واليمن).
الخوف من الأماكن المرتفعة، الخوف من الأماكن المفتوحة، الخوف من الألم بلا مبرر، الخوف من الأماكن المغلقة، من الدم والجرح والجراحة، من الظلام، من الحيوانات، من الأماكن الضيقة، من الأماكن المزدحمة.
تجب هنا الاشارة إلى الأضرار التي تواجه الشخص شديد الخوف وتؤثر على بدنه ونفسه وعاطفته. ومن أهم هذه الأضرار:
ـ في الناحية البدنية: يؤدي الخوف إلى الاضرار التالية:
١ ـ يخرج دورة الدم من حالتها الطبيعية ويؤدي إلى بطئها عادة.
٢ ـ يعيق جهاز الهضم عن القيام بوظيفته العادية.
٣ ـ يسمم دم الانسان في حالات كثيرة.
٤ ـ يتوقف الطفل عن الحركة والسعي ويقلل نسبة النمو.
٥ ـ يؤدي إلى اضطراب في النوم فتنجم عن ذلك أضرار أخرى.
٦ ـ يعيق الانسان عن الدفاع عن نفسه، إذ يصرف طاقة أكبر فتضعف قوى الانسان الفعالة.
٧ ـ تشل الخلايا العصبية نتيجة ذلك في بعض الحالات.
٨ ـ الخوف ينهك الانسان لأنه يستلزم طاقة أكثر في الدفاع.
يقول الدكتور بيل إن للدين دوراً مهماً في إزالة الخوف، وإن بالإمكان معالجة الخوف عن هذا الطريق. وقد أوصى الدكتور بيل بالذهاب إلى المسجد والكنيسة من أجل ازالة الخوف. فالإيمان بالله يؤدي إلى خلق الثقة بالنفس.
ـ المحفزات: إن التحفيز هو نوع من التشجيع للقيام بعمل يتجنبه الطفل. مثلاً؛ يريد أن يذهب إلى ساحة البيت أو إلى المغسلة ولكنه يخاف، ويريد النزول في البحيرة أو المسبح لكنه يخاف؛ يريد الدفاع عن نفسه فيصاب بالاضطراب والخوف.. في هذه الحالات، من الضروري منحه الجرأة، بعدم مرافقة الأم له مثلاً بل تقف فوق المدرج وتشجعه على الذهاب إلى ساحة البيت منفردا وهي تحادثه من بعيد.. أو يدخل الأب البحيرة أو المسبح، ويفتح ذراعيه وهذا يعطيه جرأة الدفاع عن نفسه أن والده سيحميه.
ـ أن تجلسوا إلى جانبه بعض الدقائق حين النوم وتقصوا عليه قصصاً جيدة.
ـ أن تداعبوه حين النوم أحياناً وتجعلوه ينام على صوت الترنيمات الحنونة.
ـ أو تأخذوا أحياناً بيده إلى غرفة مظلمة وتطلبون منه أن يلمس جدار وأرضية الغرفة.
ـ وأحياناً، يقرن شيء مخيف مع شيء يحبه الطفل حتى يزول خوفه تدريجيا.
ـ وأخيراً، إذا حضر معكم في مشهد مخيف وشهد الوقائع ثقة منه بوجودكم واعتماداً عليكم، فإن مثل هذا الموقف يعد دافعاً لازالة الخوف؛ فعندما تذهبون إلى الطبيب اطلبوا منه أن يرافقكم، وأن يفحصكم الطبيب أمامه ليدرك أن العلاقة بينكم وبين الطبيب علاقة ودية.
أنواع الخوف:
لابد من معرفة النوعين الخوف الطبيعي الفطري والخوف المرضي ومظاهرهما ورفع مستوى وعي الوالدين والمربين والمعلمين في كيفية التفريق بينهما والتعامل السليم معهما، فالخوف في الجملة حالة انفعالية شعورية تتصاعد تدريجياً أو فجأة وتدل على أن شيئاً سيحدث للطفل أو الإنسان فيتحرك حذراً كي يسلم من عواقبه وآثاره.
وهو نوعان خوف طبيعي: وهو الخوف كما يخاف منه الناس من حيوانات مفترسة جداً أو أصوات مزعجة جداً أو حلول ظلمة فجأة.. إلخ..
والخوف المرضي، وهو أن يخاف من معظم الأشياء، كأشخاص وأماكن وأصوات ووهم، وهو في الغالب مكتسب ويمنع عن المشاركة والإنتاج وهناك فرقان واضحان بين الخوفين، فيختلف الخوف المرضي عن الطبيعي.
مدى انتشار الخوف المرضى
ينتشر المرض بين حوالى 20 % من مجموع مرضى العصاب ويحدث المرض بنسبة أكبر لدى الأطفال والمراهقين وصغار الراشدين ولدى الإناث أكثر من الذكور.
بعض المخاوف الشائعة بين الأطفال:
من عمر (2 ـ 4 ) سنوات: الخوف من الحيوانات، والضوضاء العالية، أو الوحدة، أو التدريب على استخدام «مقعد التبرز»، أو الحمام، أو وقت النوم، أو الأشباح، أو التبول علي الفراش، أو المعوقين، أو الموت أو الجروح.
من عمر (4-6 سنوات) الخوف من الظلام، أو المخلوقات الخيالية، أو الحيوانات، أو وقت النوم، أو الأشباح، أو الغرباء، أو الثعابين، أو فقدان أحد الوالدين، أو الوفاة أو الإصابة بجروح أو أن ينفصل أو يطلق والداه.
ولكن عادة ما تنتاب الطفل مخاوف مرحلة الطفولة، فقد تأتي وتذهب كلما تطور ونما الطفل، وأحيانا قد يتطور الخوف لرهاب إذا كانت هنالك حالة معينة قد تثير مخاوف الطفل وتزيد من وضعه سوءا، ويري الكاتب الأميركي الشهير مارك توين: «أن الشجاعة هي مقاومة الخوف والسيطرة عليه، وليست عدم وجود خوف».
فينصح الخبراء الآباء والأمهات أن يحاولوا ترك الطبيعة تأخذ طريقها وينمو الطفل من غير تدخل في خوفه، أما إذا أصبح الخوف منهكا ويؤثر على حياة الطفل، مثل منعه من الذهاب إلى المدرسة، أو أن تحدث نوبات الذعر المتكررة، فمن الأفضل استشارة الطبيب.
اضافةتعليق
التعليقات