أشارت دراسات طبية نشرت أخيراً إلى أننا بدأنا نشهد الفوائد الإيجابية للرعاية الصحية من بعد خصوصاً أن 42 في المئة من مستخدمي الساعات الذكية يتحدثون إلى أطبائهم حول بياناتهم الصحية المتعقبة بما في ذلك معدل ضربات القلب وساعات النوم.
شهدت الرعاية الصحية من بعد نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة مدفوعة بالتطورات الرقمية التي أحدثت ثورة في مجال الرعاية الصحية التقليدية، وهذا ما أدى إلى تغيير المشهد الصحي وإعادة تشكيل كيفية تقديم الرعاية الصحية.
ويصف العلماء الرعاية الصحية من بعد بأنها ليست مجرد اتجاه عابر بل موجة لا يمكن إيقافها في المستقبل، بحيث تقدم تقنياتها وتطبيقاتها فرصة مثيرة وتحدياً محورياً لتغيير المشهد الطبي وإدخال نقلة نوعية في التشخيص والعلاج.
وأظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة "كايسر بيرمانينتي" وهي أحد كبار مقدمي الرعاية الصحية في الولايات المتحدة فعالية الرعاية الصحية من بعد للمرضى، مع تسليط الضوء على التحسينات التي توفرها مثل سهولة الوصول إلى الأجهزة الذكية، وانخفاض معدلات العودة إلى العيادات والاستشفاء، ومراقبة الحالات المزمنة من كثب، إلى جانب تبني المرضى التطبيب من بعد للتواصل مع المتخصصين مثل أطباء المسالك البولية وأمراض الجهاز الهضمي وغيرهم.
العلاج عبر الاتصال
تاريخياً كانت الفجوات في التواصل بين مقدمي الرعاية الصحية والمرضى تؤدي غالباً إلى تأخير التدخلات الطبية اللازمة وتقديم الرعاية الأساسية، ومع استمرار تطور الرعاية الافتراضية سيظل الاتصال المستمر جانباً رئيساً للوصول في الوقت المناسب إلى الخبرة الطبية، وتعزيز الإدارة الصحية الاستباقية ومعالجة الحالات الصعبة قبل فوات الأوان.
وبدلاً من زيارة العيادات بصورة مستمرة، يتوقع العلماء أن تصبح الرعاية الصحية من بعد صورة مستمرة من صور الرعاية الطبية، وهذا يعني أن المرضى قد يحصلون على تشخيص طبي عبر الفيديو في يوم ما، وتليه جلسة دردشة مع الطبيب في اليوم التالي.
وعلى مدى الأسبوع التالي، سيجمع هاتفهم الذكي البيانات عنهم، التي سيتم تلخيصها بعد ذلك بواسطة الذكاء الاصطناعي وإرسالها مرة أخرى إلى الطبيب لضمان اتصالهم المستمر.
يعمل هذا التحول على تحسين جودة التفاعل بين المريض والطبيب، ويساعد في تخفيف إرهاق الأطباء، ووفقاً لتقرير حديث صادر عن "الجمعية الطبية الأميركية"، أفاد الأطباء الذين يستخدمون الرعاية الصحية من بعد بانخفاض مستويات الإرهاق لديهم مقارنة بنماذج الرعاية التقليدية.
ومن هذا المنطلق ستستمر المرونة في الرعاية الافتراضية في السماح للأطباء بإدارة جداولهم بكفاءة أكبر، مما يقلل من الحاجة إلى التنقل وتبسيط المهام الإدارية، ويعزز بصورة أكبر ديناميكية العمل والحياة الأكثر توازناً.
تحسين مراقبة المريض من بعد
في السياق ذاته يجلب الجيل القادم من الرعاية الصحية من بعد طريقة جديدة لتقديم الرعاية الصحية باستخدام أدوات متقدمة لمراقبة المريض، ويمكن لهذه الأدوات تتبع البيانات الصحية مثل ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ومستويات السكر في الدم ومشاركتها مباشرة مع مقدمي الخدمة وإتاحة التحليلات الطبية في الوقت الفعلي.
وتعيد مراقبة المرضى من بعد تعريف إدارة الأمراض المزمنة من خلال الأجهزة المتصلة، ومع استمرار استخدام الساعات الذكية وأجهزة جمع البيانات المماثلة بصورة أكبر طبياً، يتوقع العلماء أن تتدفق البيانات إلى أيدي الطبيب وأن يسفر هذا التكامل بين الرعاية الصحية من بعد والرعاية التقليدية بتقديم تدخلات رعاية صحية أكثر كفاءة وفي الوقت المناسب.
وقد وجدت دراسات طبية نشرت أخيراً أننا بدأنا نشهد الفوائد الإيجابية للرعاية الصحية من بعد خصوصاً أن 42 في المئة من مستخدمي الساعات الذكية يتحدثون إلى أطبائهم حول بياناتهم الصحية المتعقبة بما في ذلك معدل ضربات القلب وساعات النوم.
وستتيح الأدوات المتقدمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي إمكانية دمج مزيد من البيانات الصحية وتساعد بالتالي في الكشف عن الأنماط التي تشير إلى مشكلات محتملة، وعلى سبيل المثال، يمكن لهذه الأدوات مستقبلاً أن تساعد في تتبع ضغط الدم اليومي ومستويات الغلوكوز أو قياس درجة حرارة المريض بصورة منتظمة أثناء تعافيه في المنزل بعد الجراحة وإرسال البيانات للأطباء بهدف المتابعة.
التآزر بين العالمين الافتراضي والجسدي
في حين تعمل الرعاية الصحية من بعد على توسيع نطاق الرعاية الصحية، إلا أنها مصممة لتكملة نموذج الرعاية الشخصية وليس استبداله، وبذلك ستبقى التشخيصات والعلاجات الشخصية مهمة لبعض الحالات والأفراد، ويمكن لهذا النهج المزدوج تبسيط إدارة الحالات المزمنة وتأكيد قيمة الرعاية الشخصية في الحفاظ على الصحة المثلى.
ومن خلال الاستفادة من المزايا الفريدة لكل من اللقاءات الافتراضية والشخصية يمكن لمقدمي الرعاية الصحية تقديم نظام رعاية متكامل وفعال، مما يضمن حصول كل مريض على أعلى مستوى من الرعاية المصممة وفقاً لحاجاته المحددة.
وهكذا يرى العلماء أنه مع استمرار تطور الرعاية الصحية من بعد، فإن مزيداً من تكامل التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وأجهزة التشخيص الجديدة وشبكات الجيل الخامس 5G تعد بمستقبل من الرعاية الشخصية والفعالة للمرضى، وإضافة إلى ما ذكرناه لا يمكن التقليل من أهمية السياسات واللوائح الداعمة في تعزيز نمو الرعاية الصحية من بعد، لأنها ستضمن الجودة والخصوصية في الرعاية الافتراضية.
الروبوتات الطبية من بعد
الروبوتات في مجال الرعاية الصحية ستكون قادرة على المساعدة في مراقبة المرضى من بعد والسماح للمتخصصين بالتشاور في شأن الحالات الطبية في المستشفيات الريفية، وهنا يتوقع العلماء أن تتنقل الروبوتات الطبية من بعد في المستقبل القريب بين المرضى في غرف المستشفيات فتسمح بذلك للأطباء بالتفاعل مع المرضى من بعيد.
ولا تقف توقعاتهم عند هذه الحدود، إذ يتحدثون عن إمكانية متابعة بعض الروبوتات للأطباء أثناء جولاتهم، ومشاركة البث المباشر مع المتخصصين من بعد، الذين يمكنهم المساهمة في الاستشارة على الشاشة، وستشحن معظم روبوتات الرعاية الصحية من بعد ذاتية القيادة بطارياتها الخاصة بنفسها وتشق طريقها إلى محطات الشحن عند الضرورة، لذا فهي ستكون مصممة لتسمح للعاملين الصحيين بالتركيز على مهام أخرى.
النموذج الأهم في العالم
وتعد وزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية من أبرز النماذج في العالم على اعتماد الرعاية الصحية من بعد، إذ اعتمدت الوزارة على هذا النوع من الرعاية منذ عقود وعملت باستمرار على الابتكار لتحسين نتائج المرضى من التفاعلات القائمة على التلفزيون في ستينيات القرن الماضي إلى الرعاية الصحية من بعد عبر الإنترنت، وبحلول 2013 عالجت هذه الوزارة أكثر من 600 ألف من المحاربين القدامى من خلال 1.7 مليون حالة من الرعاية الصحية من بعد.
وأثبتت خدمات الرعاية الصحية من بعد التابعة لوزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية أنها شريان حياة أثناء جائحة "كوفيد-19" عندما أصبحت الرعاية الصحية الشخصية محفوفة بالأخطار أو مستحيلة، وسجلت منصتها الآمنة المسماة VA Video Connects أكثر من 20 ألف موعد طبي أسبوعياً في عام 2020 بعد أن قارب الرقم 10 آلاف موعد في العام الذي سبقه.
وتبعاً لذلك يعد نجاح وزارة شؤون المحاربين القدامى الأميركية مثالاً على كيفية تنفيذ الرعاية الصحية من بعد بصورة فعالة ودمجها في أنظمة الرعاية الصحية الحالية، وتحسين حياة الملايين في هذه العملية. حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات