يمشي بقربي بأكمل هيئة، يتبختر وينفض قميصة بين فينة واخرى، يقفز، يضحك ويعترض ويتكلم، اما انا في حيرة من امري كيف أصبح طفلي بهذا العنفوان مع قلة سنينه، وأخيراً مع محاولتي لتهدئة رجولته المبكرة إشتريت له (بوظة) ملونة تضم كل لون من انواع الآيس كريم، لم يتحقق مناي بل زاد هيجانه أضعافا.. قائلا: كنت أريد البوظة الصفراء فقط لأن لونها يجاري ملابسي الجميلة، يجب عليك أن تفعل لي ما أريده فقط!.
لم أستطع ولم اقوَ على تهدئة أخلاق طفلي المتضاربة امام الملأ.. تصاعد صراخه وبكاءه وراح غير آبهاً ووضع (البوظة) بجانب سطل النفايات!.
واخيرا إشتريت له الصفراء وقلبي يعتصر وجعا من اسلوب صغيري المستفز.. يأكل هو وانا اتألم، تمتمتُ مع نفسي: لماذا حظي قليل في هذه الدنيا؟؟ لا زوجة فائقة الجمال ولا ولد مطيع ولا أمور سالكة ولماذا ولماذا ..
تتصاعد التساؤلات برأسي كبركان.. لم يخمده سوى هذا المشهد، منظر موحش مؤلم، مستفز للإنسانية او ربما للعالم بأكمله، رجل مشرّد على هيئته البؤس اللعين والفقر الأسود وانحناءة حاجة صامتة تخيم على ظهره، يجلس بجانب سطل النفايات يستريح قليلا ثم يرى المأكولات المنتصفة بقرب الحاوية، يضعها في كيسه البالي ويأكلها واحدة تلو الآخر من فرط جوعه، كانت (بوظة) طفلي المدلّل من حظوة كيسه البائس، ثم حين اتمّ طعامه أخذ نفسا عميق ثم قالها بإمتنان؛ الحمدلله!.
كنتُ اظن بأنني من أتعس الرجال في الكون وافقرهم من كل شيء، ثم إكتشفت بأن روحي هي الفقيرة!.
تلّتف بي النعم من كل حدب ولا أرى سوى النواقص وهذه النظرة الغبية هي من صنع منّا أبا لا يعي التربية السليمة وطفلا عصيّا متكبرا لا تملأ عينه الضيقة اي سعادة ملونة ..
مشيت اليه منكسراً، نظرت بعينيه لأهبه بعض النقود، وقبل ان اخرجها إبتسم بوجهي وقال: "وما من دابة الا على الله رزقها"..
اضافةتعليق
التعليقات