في صمت الليل، حيث تتوارى النجوم خلف ستار الغيم، تجلس "فواطم" وحيدة في غرفتها، تحدق في صورة تجمعها بـ "يوسف"، خطيبها الذي تشاجرت معهُ بالأمس.
كان الخلاف بسيطًا، كلمة جرحت قلبها، لكنها لم تتلق اعتذارًا، لم تسمع كلمة "آسف" شعرت ليلى بالإهانة، كأن جرحها لا يعني يوسف، كأن كلماتها لم تؤثر فيه. تذكرت لحظات أخرى مشابهة، كيف كان يوسف يتجاهل أخطاءه، وكيف كانت هي دائمًا من تبادر بالصلح.
تنهدت ليلى، وأحست بدموعها تنهمر على خدها. هل هذا هو الحب الذي تمنته؟ هل هذه هي العلاقة التي تستحق أن تضحي من أجلها؟
في الجانب الآخر من المدينة، يجلس يوسف في مقهى، مُحاطًا بأصدقائه. يتحدث ويضحك، لكن في داخله شعور بالضيق. يعلم أنه أخطأ، وأن ليلى تنتظر اعتذاره، لكن كبريائه يمنعه من الاعتراف بخطئه.
مرت الأيام، وليلى ويوسف يعيشان في صمت، يحمل كل منهما جرحًا في قلبه. كان الكبرياء هو الحاجز الذي يمنعه من الاعتراف بالذنب، ومن إصلاح ما انكسر.
هل سيستمر هذا الصمت؟ هل سيظل الكبرياء أقوى من الحب؟
وهنا السؤال يأتي لماذا لا يعترف بعض البشر بالخطأ والاعتذار رغم أنه مخطئ؟
وهل الكبرياء أقوى من الحب حقًا؟
الاعتراف بالخطأ والاعتذار خطوة يراها البعض ثقيلة وصعبة، لكنها من أعظم مظاهر النضج العقلي. نحن كبشر نميل بفطرتنا إلى حماية صورتنا أمام الآخر. هذا الشعور يُسمى بعلم النفس والمعروف (بـالتحيز لتعزيز الذات) وهو طبعا نوع من آليات الدفاع النفسي. هذا الشعور يدفعنا إلى تبرير أخطائنا بل وأحياناً إنكارها تماماً. كأن نُحمل الظروف أو الضغوط أو الطرف الآخر المسؤولية. فقط لنظهر وكأننا فوق مستوى الخطأ.!
خذ مثالاً لربما يستخدمه معظمنا بشكل متكرر، تأخرتَ عن موعد مع صديق بدل أن تقول له مباشرة (أعتذر تأخرت بسبب تقصيري). تجد نفسك تقول (الطريق كان مزدحم بشكل غير طبيعي اليوم).
هنا أسهل على النفس من مواجهة حقيقة أنك لم تغادر في الوقت المناسب!
وكذلك سبب آخر وهو الخوف من العواقب، وهناك أيضا سبب مهم وشائع في مجتمعاتنا الشرقية. الاعتذار قد يفسر خطأً على أنه ضعف! خصوصاً لدى الرجال. ربما تجد الأب الذي يصرخ في وجه ابنه دون سبب. وعندما يهدأ يدرك أنه كان مخطئاً. لكنه بدل أن يقول (أنا آسف يا بني، كنت في حالة مزاجية عصبية، يلجأ لتجاهل الأمر تماماً يبرر سلوكه بقوله (كنت أُعلّمك الانضباط ومن حرصي وخوفي عليك).
هذه المحاولات للهروب من الاعتراف لا تترك سوى فجوات عاطفية في العلاقة سواء مع الزوج وزوجته أو الأب والابن!
عبارات الاعتذار البسيطة ليست مجرد كلمات! وكلمات ليست كالكلمات كما تقول ماجدة الرومي! بل هي مفتاح لإعادة بناء الثقة وإطفاء فتيل نزاع لايستحق!
علينا أن نفهم الاعتذار ليس ضعفاً ولا تنازل ولا خنوع ولا خضوع! هو قوة وذكاء عاطفي وقدرة على وضع النفس مكان الآخر! لأن كلنا نخطئ والاعتذار نضوج وشجاعة وتصحيح بكلمة بسيطة وهي "أنا آسف".
بالرغم من أنهُ من مهم جدا في استمرارية العلاقات ومع ذلك، يجد البعض صعوبة في الاعتذار، وقد يعود ذلك إلى عدة أسباب:
1. الخوف من إظهار الضعف:
يعتبر البعض أن الاعتذار هو اعتراف بالخطأ والضعف، ويرون في ذلك تهديدًا لصورتهم الذاتية. قد يخشون من أن يقلل الاعتذار من مكانتهم في نظر الآخرين.
2. الكبرياء والأنا:
قد يمنع الكبرياء والأنا الشخص من الاعتراف بأخطائه. قد يشعر الشخص أن الاعتذار يقلل من شأنه أو يجعله يبدو ضعيفًا.
3. تجارب سابقة:
قد يكون لدى الشخص تجارب سابقة سلبية مع الاعتذار، مثل أن يتم استغلال اعتذاره ضده أو أن يتم رفضه. هذا قد يجعله مترددًا في الاعتذار مرة أخرى.
4. سوء الفهم:
قد يسيء البعض فهم معنى الاعتذار. قد يعتقدون أنه يعني تحمل المسؤولية كاملة عن الخطأ، بينما قد يكون الاعتذار مجرد تعبير عن الأسف والتفهم لمشاعر الآخرين.
5. عدم القدرة على التعبير عن المشاعر:
قد يجد البعض صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بالكلمات، وهذا قد يجعلهم يترددون في الاعتذار.
6. الاعتقاد بأن الاعتذار غير ضروري:
ربما يعتقد البعض أن الاعتذار غير ضروري، خاصة إذا كان الخطأ غير مقصود أو بسيطًا.
وهنا أيضا يأتي سؤال كيف نتغلب على صعوبة الاعتذار؟
تغيير وجهة النظر: يجب أن ننظر إلى الاعتذار على أنه قوة وشجاعة، وليس ضعفًا. الاعتذار يساعدنا على النمو والتعلم من أخطائنا.
كما يجب أن نتحلى بالتواضع ونعترف بأخطائنا. فلا يوجد شخص كامل، والجميع يخطئون.
التركيز على الحل من الأمور المهمة يجب أن نركز على حل المشكلة وإصلاح العلاقة مع الشخص الذي أخطأنا في حقه فقد يؤدي ذلك إلى ما لا يُحمد عُقباه.
كما من الأساليب الجيدة هو التعبير عن الندم على ما فعلناه. وعلى أنهُ شعور بالراحة فهو يساعدنا على الشعور بالراحة والسلام الداخلي.
الاعتذار هو أداة قوية يمكن أن تساعدنا على تحسين حياتنا وعلاقاتنا. يجب أن نتعلم كيف نعتذر بصدق وإخلاص، وأن نتقبل اعتذار الآخرين بصدر رحب.
اضافةتعليق
التعليقات