سورة الفجر أول ما يمكن استلهامه منها هو إسمها، فعن ابن عباس: "إِنَّ الْفَجْرَ هُوَ الصُّبْحُ الْمَعْرُوفُ فَهُوَ انْفِجَارُ الصُّبْحِ الصَّادِقِ" (١)، فهو يحدثنا عن كل البدايات الجديدة، يعني أيها الإنسان المخاطب بهذه السورة والذي يتلو آياتها أول ثمار النور التي لابد أن تجنيها هي أن تُشرق من جديد، أن تقرر قراراً حاسماً لتحيا حياة جديدة كما أرادها تعالى، ولكن ما هو هذا القرار؟ وما هي هذه البداية؟
عند التأمل في ظاهر آياتها نجدها تتحدث عن النفس الإنسانية وكيفية تحقق الاتزان فيها تجاه المُنعِم والنِعَم فترقى الى مستوى الكمال الإنساني الذي هو النفس المطمئنة الراضية تجاه النِعَم، وتحقق العبودية فتكون العبد المَرضِي في علاقته مع المنعم.
أصناف النفس الإنسانية الثلاثة:
الأولى: النفس الأمارة بالسوء التي هي مسيطرة ومتحكمة في صاحبها فيطغى في علاقته مع المُنعِم فيخرج عن عبودية له بل يدعي الربوبية، أما علاقته مع النِعَم فهو يستخدمها في الإفساد ومثالنا هنا هو فرعون، قال تعالى: {وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ (١٠) ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ (١١) فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ (١٢)}.
أما مصير صاحب هذه النفس فهو في قوله تعالى: {فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ(١٤)}، فهذه الآيات تقول لك أيها الإنسان لا تكن من هذا الصنف فتشقى فيكون مصيرك الهلاك.
الثانية: النفس غير المستقرة فهي بين الميل إلى الانحراف والميل للاستقامة، قال تعالى: {فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ (١٥) وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ (١٦)}، فعلاقة صاحب هذه النفس مع ربه بحيازة الكرامة أو الإهانة قائمة على اتباع أهوائها.
ولأن الاستقرار في العلاقة مع المنعم يتبعه استقرار في العلاقة مع النعم، لذا فعلاقته مع النِعَم أيضا قائمة على ذات الأساس، فهو لا يكرم اليتيم ولا يطعم المسكين لأنه يرى أنه مهان بفقدان المعيل فَلِمْ يكرمه هو مثلاً! كما يرى نفسه أنه مهان إذا قُتِرَ عليه برزقه، وهكذا بالنسبة لعلاقته مع حبه للمال، قال تعالى: {كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ (١٨) وَتَأۡكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكۡلٗا لَّمّٗا (١٩) وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبّٗا جَمّٗا}.
أما عاقبة هذا الصنف فقد أشارت إليه هذه السورة بقوله تعالى: { وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ (٢٣) يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي (٢٤) فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٞ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ (٢٦)}.
أما لماذا خَصّت السورة هذا الصنف بالندم وبنفس الوقت شدة العذاب؟ فكما يبدو لأن هذا الصنف هو كان صاحب الفرصة الأكبر في الالتحاق بالصنف الثالث، لأنه كان يحمل بذرة الإيمان لكنه لم يسقيها! وكان التوحيد في قلبه لكنه لم يحميه!! فتبع الصنف الأول فخسر حياته الأبدية واستحق العذاب الأبدي.
الثالثة: النفس المطمئنة الراضية المرضية، قال تعالى: {يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ (٢٧)ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ(٢٨)فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي(٢٩)وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي(٣٠)} وهي نفس الإمام الحسين (عليه السلام)، فعن الصّادق (علیه السلام) قال: " اقْرَءُوا سُورَةَ الْفَجْرِ فِی فَرَائِضِکُمْ وَ نَوَافِلِکُمْ فَإِنَّهَا سُورَةٌ لِلْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ (علیه السلام) مَنْ قَرَأَهَا کَانَ مَعَ الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ (علیه السلام) یَوْمَ الْقِیَامَةِ فِی دَرَجَتِهِ مِنَ الْجَنَّةِ إِنَ اللهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ"٢.
فهنا الملفت إن السورة لما تحدثت عن هذه المرتبة من النفوس التي وصل لها الإنسان الكامل -الامام الحسين(عله السلام)- كان الخطاب مباشرة عن ما هي الخاتمة التي بلغتها، إذ تم اختصار العلاقة بكلمتين راضية ومرضية فحصلت مرتبة الاطمئنان والدخول في مقام خواص العباد، فهذا يشير إلى كرامة هذه النفس وعظم مقامها عند ربها، بخلاف نفوس الصنفان السابقان فقد فصلت في علاقتها مع النِعَم والمُنعِم.
والآن هل عرفت فجرك ما هو؟ ومن أين تبدأ؟
هذا هو إمامك الصادق (عليه السلام) يعطيك الجواب، إنه الإمام الحسين (عليه السلام) فهو مصدر قوة كل نفس مضطربة، فكلما أظلمت حياتك انرها بنور الإمام الحسين (عليه السلام) فهو مصباح الهدى، وكلما غرقت في هوى النفس تمسك بنهج الحسين عليه السلام فهو سفينة النجاة.
هكذا ستجعل قلبك يشرق من جديد، فطالما أنت في هذه الحياة فأنت قادر أن تقدم لحياتك الأبدية، القرار بيدك في أن تكون نفسك أي هذه النفوس؟ ومصيرك الذي تريده ماذا يكون؟
اضافةتعليق
التعليقات