السلام، ليست مجرد كلمة أو ميثاق توقّع عليه دول العالم، بل هو تشريع الهي يتوافق مع الفطرة السليمة للإنسان لذا على الجميع البحث عنه فالسلام هو حلم ومطلب لكل إنسان يعيش على وجه الكوكب؛ أن يَعمّ السلام والطمأنينة بين الشعوب والدول في كل مكان، وعليه خصصت هيئة الأمم المتحدة يومًا عالميًا للسلام، يتم الاحتفال به وذلك لتعزيز المُثُل العليا للسلام في الأمم والشعوب.
حيث يتم الاحتفال بيوم السلام العالمي في 21 من شهر أيلول في كل سنة منذ عام 1981م، وهو اليوم الذي يتم فيه الاحتفال بقوة التضامن العالمي لبناء عالم يملئه’ السلام، فالأمور التي تمحو السلام متعددة ولا تستطيع دولة واحدة محاربتها ومواجهتها، وقد أعلن عن هذا اليوم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (Antonio Guterres) لتوحيد جميع الحكومات والمجتمعات المدنية في العالم للعمل على تحقيق السلام من خلال الحوار فقد جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة أنّ الغرض من إنشاء المنظمة هو منع نشوب النزاعات الدولية وحلّها بالوسائل السلمية، والمساعدة على إرساء ثقافة السلام في العالم.
إن السلام والديمقراطية تجمعهما روابط عضوية. فهما معا يؤسسان شراكة تعود بالخير على الجميع. والديمقراطية، من حيث جسَّدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تهيئ بيئة مواتية لممارسة طائفة من الحقوق السياسية والحريات المدنية. وتماشيا مع شعار الاحتفالات بهذا اليوم، يشهد العالم أحداثا في غاية الأهمية. فالشباب في كل مكان يُبدُون قوَّة في روح التضامن عبر التواصل وتعبئة الصفوف من أجل بلوغ الهدف المشترك المتمثل في مزاولة الكرامة وحقوق الإنسان.
وتحمل هذه القوة في طياتها احتمالات صنع مستقبل ملؤه السلام والديمقراطية. وهناك طرق كثيرة للمشاركة في الممارسات الديمقراطية، من بينها المشاركة في الحوار بشأن العمليات الدستورية، ومناصرة الدعوى إلى تمكين المجتمع المدني، والانضمام إلى الكفاح من أجل إحلال المساواة بين الجنسين ومناهضة التمييز وغيرها.
ودعت الأمم المتحدة الجميع لدعم الهدف رقم 16، المتعلق بالسلام والعدل والمؤسسات القوية، من خلال السعي إلى حلّ الخلافات والنزاعات التي تحدث في مجتمعاتنا بشكل سلميّ، كما أشارت إلى أنه باستطاعة الجميع أن يكونوا جزءًا من الحلول من خلال اتخاذ خطوات صغيرة، وأنه بإمكانهم وقف الظلم في مدارسهم مثلاً، أو في محيطهم من خلال انتهاج منهج سلمي في حلّ المشاكل، والإبلاغ عن الجرائم المحتملة، بما في ذلك التنمر على الإنترنت.
وتابعت الأمم المتحدة أنه بإمكان جميع الأشخاص حول العالم تعزيز حقوق الإنسان؛ من خلال جمع فيديوهات عن مواد الإعلان، ونشرها في أوسع نطاق، وأضافت أنه بإمكانهم أيضًا تسجيل قراءتهم لمادة من مواد الإعلان الثلاثين، بأي لغة من اللغات الـ135 المتاحة حاليًا، ومشاركة الآخرين في هذه التسجيلات، ويمكنهم كذلك المشاركة من خلال الدفاع عن حقوق الآخرين الإنسانية، سواء في العمل أو في المدرسة أو في المنزل.
إن اليوم العالمي للسلام يتيح لجميع شعوب العالم مناسبة مشتركة لكي ينظّموا أحداثا ويضطلعوا بأعمال تمجّد أهمية السلام والديمقراطية بطرق واقعية ومفيدة. حيث لا يمكن أن يتحقق السلام بدون وجود الديمقراطية، حيث أن السلام والديمقراطية يشكلان معاً رابطة وشراكة مهمة تهدف إلى ما يعود بالخير والمصلحة لدول العالم، ولقد هيئت منظمة حقوق الإنسان التي أعلنتها أيضاً هيئة الأمم المتحدة، للشعوب البيئة المناسبة لوجود الديمقراطية، وممارستها من أجل أن ينال الإنسان حقوقه السياسية والتمتع بالحريات المدنية في حياته الطبيعية والعادية. والدعوة في هذا اليوم إلى الالتزام بتوقف العداء والقتال، وإلى نشر الوعي والثقافة بين الناس، ويمنح الإنسان المثل الأعلى بنيل الحرية والسعادة للعيش بالأمان الذي يطمح له في كل العالم
كيفية الاحتفال بيوم السلام
يكون الاحتفال بهذا اليوم بطرق متعددة من خلال توعية الناس في المجتمع وتثقيفهم عن كيفية تحقيق السلام وأهميته، وفي بعض الدول يتم التحضير لجلسات تأمّل جماعية، بالإضافة إلى الوقفات السلمية، ولحظات الصمت، والجلسات الحوارية التي يتم فيها السماح للأطفال والشباب من كل الأعمار بالمشاركة في الحديث، ويمكن القيام بهذه الجلسات في المدارس والجامعات، ويمكن الاحتفال بهذا اليوم من خلال التجهيز للمعارض الفنية للسلام، وعرض الأفلام التي تتحدث عن هذا الموضوع، وغيرها من الاحتفالات الثقافية.
أهمية تخصيص يوم للسلام
السلام ليس فقط لحل النزاعات والحروب، فهو أيضاً مهم في الدول المستقرة، لأن نقيض السلام يمكن أن يُخلق في أي مكان سواء في المدرسة أو في البيت أو في الشارع أو بين الدول، لذا يجب حماية فكرة السلام والدفاع عنها وتطويرها، ومن خلال الاحتفال بهذا اليوم يتم تذكير الناس حول العالم بأهمية تحقيقها بين الشعوب.
وفيما يأتي بعضُ النّقاط الأُخرى التي تُبيّن أهميّة السّلام في الحياة:
1- من خلال السّلام يمكن للإنسان بثُّ أفكاره التي من المُمكن أنّها اندثرت خلال الحروب بالعنف والتّدمير، أو على الأقل تمّ تشويهها، لهذا فإنّ رسول الله محمّد –عليه الصّلاة والسّلام- وعلى الرّغم من صعوبة الشّروط التي اشترطها الكُفّار على المسلمين في صُلح الحديبيّة إلا أنّه قَبِلَ بها في مُقابل الإبقاء على الهدنة عشر سنوات بين المسلمين وكفّار مكّة.
2- السّلام يُمكّن الشّعوب من التعلّم، واكتسابَ ونشر الثّقافة، وبناء الحضارات، والنّهوض بالدّولة اقتصاديّاً واجتماعيّاً؛ فالبناءُ لا يكونُ إلا في أوقات السّلم والأمن.
3- السّلام يجعل النّاس على وعي كافٍ لخطر الدّخول في الحروب والانشغال بها وبمُتطلّباتها وتأثيرها عليهم، والتي ستُكلّفهم حياتهم مُقابل هذه الغطرسة البشريّة.
4- السّلام هو الذي يُصدّع الطّريق أمام تُجّار الحروب الذين سيكون من مصلحتهم افتعال الحروب وإشعالها، والذين يرغبون بدوامها لوقت طويل لأجل زيادة أرباحهم من الأسلحة والذّخائر، وبالتّالي زيادة أرباحهم وطمعهم. الحروب تُقدِّم أسوأ ما في الإنسان، وتُقويّه لصالح الشرّ ودمار البشريّة، والسَّلام يُقدّم أفضل ما بداخله.
5- السّلام بيئة مُشجّعة للإبداع ووسائله؛ فهو الذي يُحفّز النّاس على الإبداع وزيادة الجمال والإنتاج، على عكس الحروب التي تُنتج الدّمار والخراب والفساد.
6- السّلام ينقل الإنسان إلى آفاقٍ سماويّة روحانيّة عالية، إذ يُشجّع على انتشار الروحانيّات والسّكينة ويُشيعها بين الشّعوب.
7- السّلام يُقرّب بين النّاس ويجمعهم على المحبّة والتّعايش، والحروب تُفرّقهم وتُقطّع نسلهم وتُبيدهم.
8- السّلام يرفعُ الإنسانية إلى مُستوى الوجود الاجتماعيِّ المُتحضِّر، في حين تقودُ الحروب الشّعوبَ نحو الانزلاق صوب الهمجيّة.
وفي الأخير فإن السلام يعتبر من أهم الركائز والدعائم الأساسية والرئيسية في بناء ودعم قوة الدول العالم كله، فالسلام يعني الأمن والطمأنينة الذي هو عكس العنف والخوف والحرب، الذي يوفر للإنسان الحياة الآمنة والمستقرة، أما الدول التي تعاني من العنف والحرب، فإنها لا تعرف السلام ولا تنعم بالاستقرار، ولا يعيش شعوبها في أمن وسكينة. ومن هنا نرى أن توفر السلام العالمي هو مطلب أساسي وحضاري لتقدم الشعوب وتطورها، والذي يؤثر على الفرد والجماعة بشكل إيجابي للعيش بحرية ورفع معنويات الإنسان، ليصبح قادراً على الإنتاج والإنجاز بالعمل والعطاء وممارسة الحياة الطبيعية بدون تهديد حياته ومصالحه، ونشر المحبة والتآلف والطمأنينة في أرجاء العالم كله.
اضافةتعليق
التعليقات