المتأمل في حركة الإنسان الفكرية، والناظر في أدبيات المعرفة وما تناولته الصفحات السابقة سيجد أنه مما استقر عليه الاجتهاد أن المعرفة نوعان:
1- المعرفة الظاهرة: ويطلق عليها أيضاً المعرفة الصريحة ويعني بها المعرفة الرسمية والمنظمة والتي يمكن ترميزها التعبير عنها برموز وكتابتها ونقلها إلى الآخرين بواسطة الوثائق بأشكالها المختلفة بدءاً بالألواح المسمارية حتى قواعد البيانات الإلكترونية، مروراً بالمخطوطات والطبعات الزرقاء، وتخرج المعرفة الظاهرة أو الصريحة في صيغة مواصفات ومنتجات وبراءات اختراع ومخططات في شكل رسوم مثلاً.
2- المعرفة الضمنية: وهذه تعتمد على الخبرة الشخصية والقواعد الاستدلالية والحكم الذاتي، وعادة ما يصعب وضعها في رموز أو كلمات وتشير إلى ما له صلة بمعرفة كيف إنها ما يوجد في رؤوس وحواس الأفراد من خبرات ومهارات مما لا يمكن نقله أو تقليده ذلك أن التعبير عنها يأخذ أشكالاً خاصة أو حدسية غير القابلة للنقل أو للتعليم بشكل معروف.
كما أن العالم توم باكمان يقدم تصنيفاً أوسع للمعرفة بجعلها أربعة أصناف:
1- صريحة Explicit (وثيقة - حاسوب) معرفة جاهزة وقابلة للوصول موثقة في مصادر المعرفة الرسمية التي عادة ما تكون جيدة التنظيم.
2- ضمنية Implicit العقل الإنساني أو المنظمة التنظيم باعتبارهما عقلاً معنوياً قابلة للوصول من خلال الاستعلام والمناقشة ولكنها معرفة غير رسمية يجب أن تتكون وبعدئذ تنقل وتبلغ.
3- المعرفة الكامنة العقل الإنساني، المنظمة قابلة للتوصل، التوصيل بشكل غير مباشر فقط ويتم ذلك بصعوبة من خلال أساليب الاستنباط المعرفي وملاحظة السلوك.
4- المعرفة المجهولة Unknown العقل الإنسان المنظمة المعرفة المبتكرة أو المكتشفة من خلال النشاط المناقشة، والبحث والتجريب.
وكما نرى فإن هذه التصنيفات رغم تنوعها الظاهر فإنها تدور في إطار نمطي المعرفة الظاهرة أو الصريحة (القياسية والضمنية أو التنوع).
وإذا كنا نتحدث عن المعرفة الضمنية باعتبارها استحواذاً للشخصية الفردية فإن للشخصيات المعنوية الهيئات والمؤسسات والشركات معرفتها الضمنية كذلك فهناك ثقافة الشركة التي تمثل المعرفة الخاصة بالشركة وطريقتها في فهم الأشياء وفي القيام بالمهام والتي تتكون خلال فترة طويلة عن طريق الخبرة والتفاعل بين رؤية الشركة للأعمال وأهدافها وطريقتها في إنشاء ميزتها التنافسية من جهة والعاملين بمؤهلاتهم وخصوصياتهم من جهة أخرى، ثم السوق والبيئة التنافسية التي يتفاعلون معها، وفق ما يسميه ألافي ولا يندر بمنظور المعرفة القائم على الثقافة من جهة ثالثة.
فالشركة عندما تقدم منتجاتها أو خدماتها وخبراتها لا تقدم إلا جزءاً من معرفتها وهو الجزء القابل للتحديد والنقل وربما في حالات كثيرة السهل التقليد أيضاً، لتظل المعرفة الأكثر أهمية داخل الشركة في رؤوس أفرادها، وخلال علاقتهم المتميزة وتداؤب فرق العمل فيها، مما لا يمكن نقله إلى الآخرين ولا التدريب عليه من خلال أدلة العمل التي توزع عادة على العاملين الجدد في الشركة.
وإذا كانت المعرفة الظاهرة أو المسجلة قد حظيت بإنتاج وافر كماً نوعاً عاشها جيش من المتخصصين، إنتاجاً، وتزويداً وانتقاء وتقييماً وتنظيماً، فإن المعرفة الضمنية حرية بأن نتوقف عندها لأهميتها في ذاتها من جانب ولأنها تتغلغل في نسيج "الرأسمعرفية" ككل من جانب آخر.
المعرفة الضمنية تاريخ وتبلورها يعود تحديد مفهوم المعرفة الضمنية إلى الفيزيائي وفيلسوف العلم مايكل بولاني (1976-1891) الذي عمل في إحدى المؤسسات العلمية المتخصصضة في الفيزياء والكيمياء في برلين من عام 1920 حتى هجرته إلى إنجلترا عام 1933.
وقد طور أفكاره بشكل مفصل فيما بعد في الكتاب الذي أصدره عام 1958 في شيكاغو بعنوان: المعرفة الشخصية حول البعد الصامت أو الكامن للمعرفة 16 ثم وسع دوائر فكرته في "البعد الكامن" وتبعاً لما يقرره بولاني فإن التفكير الإنساني مزروع في جسمنا بمثل ذلك الوضع الذي يجعل هذا البعد الضمني بنياناً أساساً لما يطلق عليه المعرفة الموضوعية أو الصريحة ولا تعتمد المعرفة في رأي "بولاني" على عناصر التحليل المنطقي المعروفة جيداً مثل التعريفات والملاحظات والاستنتاجات المنطقية فحسب، وإنما تستند، فضلاً عن ذلك إلى الافتراضات غير المبرهن على صحتها، والممارسات الذاتية الشخصية، التي لم يتم صياغتها لم يعبر عنها بأسلوب الحديث أو الكتابة المعتمدين لدى الجماعة الإنسانية كما لم تدخل دائرة العلن. وغالباً ما تصدر دون وعي، لكنها ذات أهمية حاسمة لاكتساب المعرفة العلمية ومع ذلك فهناك من يرى أن الأسلوب الذي يستخدم به معظم الناس هذه المصطلحات يختلف كلياً عن فكرة "بولاني" عن المعرفة الضمنية، ففي اللغة الدارجة، يقصد بالمعرفة الضمنية ما يدور في عقول الناس.








اضافةتعليق
التعليقات