الغضب، الانفلات من سيطرة الوعي، التبجّح بالصوت والجسد، التمرّد على التحكّم الذاتي واطلاق العنان للتدفق الكلاميّ دون مراقبة أو تشذيب. يتحوّل الإنسان الذي لا يلجمُ فرس غيظه إلى نارٍ حارقة، لا تُبصرُ في طريقها شيئاً، تلتهمُ الأخضر واليابس، تُسببُ خُدوشاً وجروحاً غائرة في قلوب الآخرين، تشوّه الطُرق المرصوفة التي توصلُ بينهم وبين أحبائهم، نارٌ يُرى الخراب الذي سببته بعد أن تخمد شرارتها، فلا يملكُ صاحبها بعد ذلك لنفسه ضراً ولا نفعاً.
يندرج الغضب ضمن لائحة أكثر التصرفات والانفعالات البشرية التي تَذهب بهيبةِ صاحبها أدراج الرياح، حيث تُحيله إلى مخلوق مناقض لما كان عليه في حالته الطبيعية السوية. يبدأ الأمر بعدم ترويض النفس وتدريبها على مواجهة مختلف المواقف الحياتية، فكما يحتاجُ الجسدُ تدريبات وتمارين مكثفة ليبني عضلاته، تحتاج النفس البشرية المزيد والمزيد من التمارين المكررة لضبط انفعالاتها وتصحيح مسارها المتعرّج.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن آدم، وإن أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه، وانتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه".
بعد أن يتبين للإنسان في حال تعقله وسكون نفسه وانحسار غضبه، المفاسد الناجمة عن الغضب، والمنافع المترتبة عن كظم الغيظ، يتحتمُ عليه أن يتحكم بزمام نفسه، وأن يطفئ هذا السعير الحارق والنار المتقدة في قلبه، وأن يتحرر من الظلام والكدر، ويعيد لنفسه صفاءها ونقاءها. ويمكن أن يتم هذا الأمر بشيءٍ من مخالفة هوى النفس وإدامة النصح والإرشاد والتدبر في عواقب الأمور.
إنَّ علاج الغضب يكون من جهتين: علمية وعملية:
- العلاج العلمي: وهو أن يتفكر الإنسان في تلك الأمور التي أوصلته لهذه الحال من الغضب والاحتدام ويمحّصها ويتفكر في جدواها.
- العلاج العملي: وأهمه إبعاد النفس عن أول شرارة للغضب فور ظهورها. فإن الغضب أشبه بالنار التي تزداد شيئاً فشيئاً، وتشتد حتى يتعالى لهيبها وترتفع حرارتها وتسيطر على صاحبها حتى تحرقه، ثم يمتد تأثيرها حتى يُخمد نور العقل والإيمان ويطفئ سراج الهداية فيصبح الإنسان ذليلاً مسكيناً. فعلى المرء أن يأخذ حذره قبل أن يزداد اشتعال الغضب ويرتفع سعيره، وهنالك عدّة أساليب لإطفاء هذه النار، منها:
·أن يشغل نفسه بذكر الله تعالى وهناك من يرى وجوب ذكر الله في حال الغضب أو بأمور أخرى تقطع تفاعله الزائد مع الموضوع الذي أثاره وتبعده عن الغضب.
· أن يغادر المكان الذي ثار فيه غضبه.
· أن يغير من وضعه، فإن كان جالساً فلينهض واقفاً، وإذا كان واقفاً فليجلس.
·وهذه النقطة تخصُ الغضب على ذي رحم، فإن أحس بالغضب فليدنُ منه ويمسه، لأن الرحم إذا مسّت سكنت، كما في الرواية.
وفي رواية عن ميسر قال: "ذُكر الغضب عند أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقال: "إن الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتى يدخل النار، فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مسّت سكنت".
إن كبح جماح الغضب في بداية ظهوره أمر سهل ولا يحتاج للعناء والتعب، وإذا أوقفه الإنسان في هذه المرحلة ومنعه من التفاعل، فسينفعه هذا في أمرين:
1- يهدئ النفس ويقلل من اشتعال الغضب.
2- يروض النفس ويؤدي إلى معالجتها الجذرية، وسيصل بالتالي إلى حالة الاعتدال والتوازن.
إنها حرائق تندلعُ باختيار صاحبها، فإن شاء منحها الوقود الكافي لتشبّ فيه وإن شاء أخمد جذوتها بماءٍ منهمر، وللمرء خياراتٌ واسعة في ذلك، فلهُ أن يختار غضب ذا النون (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عليه) ﴿٨٧ الأنبياء﴾ أو سكونُ موسى (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴿١٥٤ الأعراف﴾ وأن يُحشر مع الذين (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) ﴿٣٧ الشورى﴾.
اضافةتعليق
التعليقات