لأرض الغري حضارات قديمة نتيجة لامتداد تاريخ المنطقة إلى عصر ما قبل الإسلام بمدة زمنية طويلة، قد لا يمكن تحديدها وفق أطار زمني معين، ومن المعروف أن النجف مدينة علم وعلماء حيث يتوافد عليها الناس من كل صوب وجانب لينهلوا مختلف العلوم من جوار أمير المؤمنين وتبركا بمرقده الطاهر، وزائر مدينة النجف يلاحظ تفرد أهلها بالحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم التي يتوارثونها من جيل إلى آخر، فيمكن للزائر أن يتعرف على الفرد النجفي بسهولة من لهجته التي أختصوا بها دون محافظات العراق.
أما في شهر محرم الحرام الأجواء النجفية تجذبك للتعرف على بعضٍ منها، فترى بعض الأزياء العربية لها حضور في تلك الشوارع منها الدشداشة النجفية والتي تُخيّط يدويا وقليلا منها باستخدام الماكنة، فيتصاعد الطلب على شراء الأقمشة بصورة عامة والقماش الأسود بصورة خاصة.
هكذا اخبر موقع (بشرى حياة) صاحب متجر الأقمشة كاظم الحسني وأكمل: الدشداشة زي عربي قديم وفي العراق، تشتهر بها محافظات الوسط والجنوب والمحافظات الغربية أيضا، أما في النجف فكثرة الخياطين المحترفين في المحافظة والمدينة القديمة بالذات ساعد على إستمرار خياطتها فضلا عن إهتمام أبناء المحافظة بنمط معين من التصاميم المريحة والمعتادة والعملية والتي تختلف عن خياطة المعامل المطروحة للسوق، أما الأقمشة فيكثر الإقبال عليها وفي موسم أحزان أهل البيت عليهم السلام يكثر الاقبال على القماش الأسود، فلا يقتصر الشراء على المحافظة بل وحتى المحافظات الأخرى تبركا من جوار أمير المؤمنين عليه السلام ولجودتها أيضا، فهناك أنواع من الأقمشة المختلفة منها: (التيوب الياباني والصيني والباكستاني وهناك بعض الأقمشة الإنكليزية التي تلائم موسم الشتاء)، ولا يقتصر ارتدائها على فئة معينة فمن الأطفال وحتى الكبار لا يزالوا يلتزمون بلبس الدشداشة، فهي ارث متناقل من جيل إلى آخر.
والذي يتجول في شوارع المدينة القديمة يجد شارع يُعرف بسوق العبايجية الذي يتميز بكثرة صانعي العقال العربي القديم.
ولتفاصيل أكثر أخبرنا صانع وبائع العقال أزهر كاظم جواد مُعّرفا: تاريخ لبس العقال يُقال في الروايات أنه شخص وضع حبل أو خيط على رأسه ورأى أنه يبدو أجمل، ودام على هذا الأمر، حتى دخل الإحتلال العثماني والبريطاني ومن قبلهما الصفوي حتى أصبح التميز بين الفرد العربي وغيره من خلال العقال والزي الخاص به، وتطورتْ الصنعة بدايات القرن التاسع عشر أو نهاية الثامن عشر لتُعرف عند العرب عامة.
امتاز العراق بصناعة العقال قديما وحتى حديثا وتعتبر النجف مركز صناعته حيث نصدر لبعض دول الخليج فضلا عن محافظات العراق، والخيوط نستخدم بعضها المحلية والسورية وحتى بعض الخيوط الأجنبية، أما المحلية فمن الأصواف التي تمر بمرحلة الغزل اليدوي أو المعامل.
وأضاف جواد: يُعرف العقال عادة باللون الأسود، وقد يُضاف له اللون الفضي والذي يُعرف بالملكي وهذا له مناسباته الخاصة، ولا يقتصر لبس العقال على الريف فقط أو كبار السن بل حتى المدينة وبعضا من الشباب.
وإلى جانب العقال لزاما أن نتعرف على العباءة الرجالية وطريقة خياطتها فأوضح لنا مهند الخالدي _خيّاط وبائع_ قائلا: للعباءة تاريخ قديم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قضية البردة، وتعد رمزا من الرموز العربية القديمة، وتعتبر النجف الميناء الكبير لبيع وتجارة العبي الرجالية. وفيها تفاصيل كثيرة ألخصها بثلاثة محاور:
المحور الأول: العباءة الشتوية: اليدوية منها تُصنع من وبر الجمال وبسبب صعوبة العمل عليه وارتدائه الآن اختفتْ هذه الصناعة تماما وحلت محلها العباءات المصنّعة في المعامل منها محلية وأخرى عربية.
المحور الثاني: الصيفية ذات النصيب الأكبر من الاستهلاك فهي قديمة الأصل، والتي كانت تُخاط يدويا لكن بعد تدخل الماكنة والمعامل، ضعفتْ حياكتها يدويا من صوف الأغنام الخالص، وتكون ذات أسعار باهضة من خمسمائة ألف دينار وتصل إلى مليونين دينار عراقي، لكن مع وجود المعامل واستبدال أنواع الخيوط تُباع بأسعار مناسبة.
المحور الثالث: طريقة الخياط بداية من (الكلبدون الأصفر) والذي يُعرف في محافظات الغربية والشمالية من العراق وكذلك في دول الخليج، أما العباءة ذات الخيط الائم للون العباءة، ويكون من الحرير أو النايلون المبروم وفيه نقشتين (الفراتية) والتي تُعرف فيها محافظات النجف والديوانية وأيضا السماوة، ويُّسمى
(الهيلبي) أو (تحرير النجف)، أما خياط ( البسمار) ويخاط بواسطة الإبرة فتُعرف به محافظات الجنوب، فيستطيع الشخص المُطّلِع على هذه المعلومات أن يُميّز أفراد المحافظات من عباءاتهم، وتتنوع ألوان العباءة سابقا فقط ألوان محددة مثل البني الغامق والأسود والأحمر المأخوذ من الوبر، أما الآن فأضيف لها اللون الرمادي والأصفر والعشبي وغيرها.
وأضاف الخالدي: هناك ما يسمى القاط العربي وهذا يُرتدى في مناسبات خاصة ومن قِبل الوجهاء ويكثر ارتدائه في فصل الشتاء، وهو الزي المتكامل الذي يتكون من العباءة والقميص والصاية والحزام والعقال واليشماغ، والعباءة تُعد هوية عربية وكثيرا ما نرى شباب يرتدون العباءات اعتزازا وافتخارا.
الأزياء التراثية لكل بلد بمثابة هوية يحملها أفرادها، يتناقلونها، ويخصصون لها أوقاتا معينة ومهمة للإحتفاء بها، فضلا عن تخصصيها لمناسبات الأفراد المهمة إثباتا لأصالتها وتمسكا بإنتمائهم، وهكذا نرى محافظات العراق التي إعتزت بأزيائها التراثية، خصوصا محافظات الوسط والجنوب التي حملتْ من التراث والآثار ما كُتبَ في صفحات تاريخ هذا البلد، فاتخذته إرثا حضاريا متوارثا يعتز به أبناءه.
اضافةتعليق
التعليقات